السيرة النبوية:حصار الشعب

السيرة النبوية
حصار الشعب
بعد العديد من المحاولات والوسائل التي اتخذتها قريش لإيقاف انتشار الإسلام في مكة بعد الجهر بالدعوة، أمام صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته على الأذى، وإزاء فشو الإسلام في القبائل، لجأت قريش إلى الحصار المادي والمعنوي والذي عرف في السيرة بحصار الشعب
 وملخصه: أن قريش أجمعت أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم، جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شِعبهم، ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانًا ويقينًا، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم، وعلى ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصل إليهم، ولا يقبلوا منهم صلحًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، ولا يخالطوهم، ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، وكتبوا في ذلك صحيفة وتواثقوا عليه، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم.

فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعامًا يقدم من مكة ولا بيعًا إلا بادروهم إليه فاشتروه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. واشتد الحصار على الصحابة، وبني هاشم، وبني المطلب، حتى اضطروا إلى أكل ورق الشجر، وحتى أصيبوا بظلف العيش وشدته، إلى حد أن أحدهم يخرج ليبول فيسمع بقعقعة شيء تحته، فإذا هي قطعة من جلد بعير فيأخذها فيغسلها ثم يحرقها ثم يسحقها ثم يستفها، ويشرب عليها الماء فيتقوى بها ثلاثة أيام، وحتى لتسمع قريش صوت الصبية يتضاغون من وراء الشِّعب من الجوع.

فلما كان رأس ثلاث سنين، قيض الله -سبحانه وتعالى- لنقض الصحيفة أناسًا من أشراف قريش أخذتهم الحمية وهم: هشام بن عروة، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وقاموا بنقض الصحيفة أمام قريش، وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا: (باسمك اللهم).

وهذه بعض الوقفات مع قصة حصار الشعب:
1- أن حماية أقارب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له، لم تكن حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه من الغريب، فإذا أمكن أن تُستغل هذه الحماية من قبل المسلمين كوسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد لمكائدهم وعدوانهم، فأنعم بذلك من جهد مشكور وسبيل ينتبهون إليها.

2-
كانت هذه السنوات الثلاثة للجيل الرائد زادًا عظيمًا في البناء والتربية، حيث ساهم بعضه في تحمل آلام الجوع والخوف والصبر على الابتلاء، وضبط الأعصاب، والضغط على النفوس والقلوب، ولجم العواطف عن الانفجار.

3-
كانت حادثة المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، فقد ذاع الخبر في كل القبائل العربية من خلال موسم الحج، ولفت أنظار جميع الجزيرة العربية إلى هذه الدعوة التي يتحمل صاحبها وأصحابه الجوع والعطش والعزلة لكل هذا الوقت، أثار ذلك في نفوسهم أن هذه الدعوة حق، ولولا ذلك لما تحمّل صاحب الرسالة وأصحابه كل هذا الأذى والعذاب.

4-
لقد تجرع الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- مرارة هذا الحصار وتقلبوا في لظى هذه المؤامرة الخبيثة عندما أُطبِقَ عليهم بسياج من الظلم المكشوف المتمثل في تلك الصحيفة الجائرة، فصبروا حتى أتاهم نصر الله.

لقد كانو يُقدّرون مسؤولية تبليغ الرسالة الملقاة على كواهلهم، وكانوا يدركون حقيقة هذه الرسالة وطبيعتها، وأنها لا بد أن تبلَّغ للناس بجهد من البشر وفي حدود قدراتهم، فكان الصبر على مثل هذا البلاء نِعْمَ الزاد الذي يتناسب وطبيعة الطريق.
لقد كانت التربية الجادة على منهج القرآن الكريم عاملًا مهمًا من عوامل الصمود والتحدي أمام الباطل وأهله، ولقد كانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه على الصبر مقصودة في حد ذاتها؛ لأنه يعلم ويريد أن يُعلمهم أن النصر مع الصبر، وأن البلاء سُنَّة ماضية، وأن أهل الإيمان لا بد أن يتعرضوا للفتن تمحيصًا وإعدادًا. قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [(2) سورة العنكبوت].

5-
لا بد أن ندرك أن الأعداء يبذلون الكثير من المال من أجل نشر باطلهم والصد عن سبيل الله، فمن أجل تلكم الأزمة الاقتصادية دُفعت الأموال الطائلة للضغط على الأجساد والبطون، ولكنهم لم يجدوا إلى القلوب المؤمنة سبيلًا، وما زال الأعداء ولا يزالون ينفقون بسخاء في سبيل الظلم والطغيان ونشر الكفر والإلحاد وتشجيع الفجور والإباحية عن طريق المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التنصيرية والمؤسسات الفكرية وغيرها، كل ذلك ليصدوا الناس عن الحق، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [(36) سورة الأنفال].

وإذا كان أهل الباطل يبذلون الكثير من المال من أجل باطلهم وفجورهم، فما بال الموسرين من المسلمين يمسكون -إلا ما شاء الله- عن الإنفاق في سبيل الله لنشر الحق ودعوة الحق ومواساة المعوزين من المسلمين؟
فالبذلَ البذلَ وإلا حق فينا قول الحق جل ثناؤه: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد].

6-
لا شك أن موقف أهل الباطل من الدعوة ليس بدرجة واحدة، بل يتفاوت تفاوتًا كبيرًا، وكذلك ينبغي أن يكون موقف أهل الحق منهم؛ لأن منهم من يتعاطف مع الدعوة ويقف بجانبها حتى وإن كان مقيمًا على فسقه وفجوره، ومنهم من يكرهها ويحقد على أهلها بكل حال وإن كانوا مظلومين استكبارًا منه وعدوانًا، ومنهم أناس بين ذلك: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [(132) سورة الأنعام].

7-
على كل شعب في أي وقت يسعى لتطبيق شرع الله، عليه أن يضع في حسبانه احتمالات الحصار والمقاطعة من أهل الباطل، فالكفر ملة واحدة، فعلى قادة الأمة الإسلامية تهيئة أنفسهم وأتباعهم لمثل هذه الظروف، وعليهم وضع الحلول المناسبة لها إذا حصلت، وأن تفكر بمقاومة الحصار بالبدائل المناسبة كي تتمكن الأمة من الصمود في وجه أي نوع من أنواع الحصار.
****************



حصار المسلمين في شعب أبي طالب
 ضد أعدائه ، وذلك حين أفلست جميع محاولاتها السابقة لإيقاف مسيرة الدعوة الإسلامية ، يقول مولانا محمد علي :rوفي هذه المرحلة المحرجة من مسيرة الدعوة ، استخدمت القيادة القرشية سلاحها الأخير إذ اتخذت قرارها المجرم بفرض الحرم الجماعي عل قبيلة بي هاشم لمعتها الرسول  (( حتى إذا مني القرشيون بالخيبة في تلك المحاولات جميعاً عزموا على اللجوء إلى سلاحهم الأخير . كان ذلك في السنة ألسابعة للدعوة ، وكانت كثرة المسلمين قد وفقت إلى الفرار بأنفسها إلى الحبشة . وكان هزة وعمر قد اعتنقا الإسلام ، وكذلك أبو طالب قد رفض صراحة ، أن يخذل الرسول نزولا عند مطلب قريش . وباستثناء أبي لهب كان بنو هاشم كلهم قد عقدوا العزم على أن ينصروه ويقاتلوا دفاعاً عنه حتى الرجل الأخير . وفوق هذا ، فقد راح نور الإسلام ينتشر من قبيلة إلى قبيلة . من أجل ذلك قرر القرشيون إذ يفرضوا حرماً اجتماعياً على بي هاشم ، فلا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم ولا يبيعونهم شيئاً ولا يبتاعون منهم شيئاً . ثم أنهم كتبوا صحيفة بهذا المعنى وعلقوها في ( جوف ) الكعبة لكي يعطوها معنى القداسة . فلما سمع بنو هاشم بهذا شخصوا إلى موطن منعزل من مكة يعرف بالشعب ))1.

 من جهة ثانية ، فرفضت التخلي عنه في أيام محنته . . .rووقفت قبيلة بني هاشم موقفاً شجاعاً بتأييدها الرسول وقبلت الحرم الاجتماعي رغم أن الإسلام لم يعم سائر أفرادها ، وينبع موقفها هذا من موقف أبي طالب من جهة ، ولاحترامها النبي
هذا ، وشكل الحرم الاجتماعي مصاعب جدية أمام الدعوة الإسلامية ، إذ مرت في مرحلة جمود بعد نهضتها السابقة ، فلم يعد بالامكان أن يتصل المسلمون بالقبائل العربية وهم محصورون داخل شعب أبي طالب ، ذلك أن بني هاشم قبلوا ببطولة ملحمية أن يقفوا مع الرسول في محنته ، ويعيشوا في أشد الظروف قساوة في ظل المقاطعة القرشية اجتماعياً واقتصادياً .
ثبات الرسول على المبدأ
رغم أن الحصار دام ثلاث سنوات ، لكن ما لبث أن ظهرت المعارضة داخل صفوف القرشيين لفك الحصار عن بني هاشم والمسلمين ، ولاسيما بعد تمزق صحيفة الطرد الجماعي المعلقة في الكعبة ، فكان أن عادت الدعوة مرة أخرى إلى نشاطها .
وشهد العام العاشر للبعثة تحولاً في أسلوب محاربة قريش الدعوة الإسلامية إذ عرضت على الرسول أن لا يتعرض لديانة أجدادهم وأن لا يتعرضوا بدورهم للمسلمين شريطة أن يدعهم ودينهم ويدعوه ودينه وكان أن تم اللقاء بين الطرفين في منزل عم الرسول أبي طالب وهو على فراش الموت لكن موقف الرسولصلى الله عليه وسلم ظل ثابتاً فلم يقبل بأي شكل من أشكال التراجع عن نشر رسالته في صفوف المشركين ، ولو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله .
مصاعب على طريق الدعوة
وفي هذه المرحلة من مسيرة الدعوة الإسلامية ، أصيب الرسول بضربة ، قاسية إذ توفيت زوجته المخلصة خديجة ، وعمه وراعيه أبو طالب ، وشرعت قريش تحاربه بشراسة وضراوة ، ويحدث توماس كارليل عن وضع الرسول الجديد بقوله: (( فصبوا له الإشراك وبثوا الحبائل وأقسموا بالآلهة ليقتلن محمد بأيديهم ، وكانت خديجة قد توفيت ، وتوفي أبو طالب ، وتعلمون - أصلحكم الله - أن محمداً ليس بحاجة إلى أن ترثى له ولحاله النكراء إذ ذاك ومقامه الضنك وموقفه الحرج ، ولكن اعرفوا معي أن حاله إذ ذاك من الشدة والبلاء كما لم ير إنسان قط ، فلقد كان يختبىء في الكهوف ، ويفر متنكراً إلى هذا المكان وإلى ذاك ،لا مأوى ولا مجير ولا ناصر ، تتهدده الحتوف وتتوعده الهلكات ، وتفغر له أفواهها المنايا ، وكان الأمر يتوقف أحياناً على أدنى – كإجفال فرس من أفراس أتباع محمد - فلو حدث ذلك لضاع كل شيء ولكن أمر محمد - ذلك الأمر العظيم - ما كان لينتهي على مثل تلك الحال))2 .
طرد الرسول من قريش
ولكن رغم تلك الصعوبات التي واجهها الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيرته الكفاحية لنشر الدعوة الإسلامية ، لم يتوقف هنيهة عن متابعة تبليغ رسالات ربه ، وما كانت قريش لتتوقف بدورها عن مهاجمته ومحاربته . . . وكان أخطر قرار اتخذته بعد تسلم عمه أبي لهب زعامة بنى هاشم خلفاً لأخيه أبي طالب هو طرد الرسول ، يقول المستشرق الروماني جيورجيو :(( لقد طرد محمد صلى الله عليه وسلمفي المرحلة الأولى من قبل قريش ، في حين أن هاشماً لم تطرده ، إذ حماه أبو طالب ، وخرج معه من مكة إلى الشعب ، ولكن قبيلة هاشم هذه المرة هي التي أقوت طرده . ومنذ الساعة التي صمم فيا رئيس قبيلة هاشم على طرد محمد صلى الله عليه وسلم تبدلت شخصية محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام ، وغدت أشبه برجال الثورة الفرنسية . فالذين يسيرون على مبدأ مخالفة القوانين لا يحميهم القانون . وساءت أوضاع محمد صلى الله عليه وسلم بعد طرده بشكل يفوق من خرج عن حماية القانون أيام الثورة الفرنسية ، لأن من يقتل شخصاً فرنسياً تعاقبه محكمة الثورة ، وهي وحدها التي تحاكم هؤلاء الأشخاص وتحكمهم . أما في مكة فإن من طرد من قبيلته هدر دمه ،وبإمكان أي امرىه أن يقتله ، أو يبيعه ، أو يستعبده . حتى إن أحرقه أحدهم حياً لا يعاقب حارقه . لان المطرود من القبيلة يغدو شيئاً لا قيمة له ،وبالتالي غير لائق لان يخضع أحد للمحاكمة بسببه ، فهو من طبقة لا تعتبر من ذوي الحياة ))3 .




المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط