الرشوة أسبابها وسبل مكافحتها

الرشوة أسبابها وسبل مكافحتها
مقدمة:
الرشوة آفة مجتمعية قديمة مستجدة، يكاد لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها.
 فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة، وهي إن تمكنت من السريان والانتشار في جسد المجتمع أفسدت ذلك الجسد حتى يغدو جماداً بلا روح، وكلما تمكنت واستفحلت كانت كمعاول الهدم والتخريب لا تنفك تطرق في أركان الدولة حتى تزعزعها.
فالرشوة كما يعرفها الفقهاء هي اتجار بالوظيفة، تتمثل في انحراف الموظف في أدائه لأعمال وظيفته عن الغرض المستهدف من هذا الأداء، وهو المصلحة العامة، من أجل تحقيق مصلحة شخصية له، وهي الكسب غير المشروع من الوظيفة.
 المبحث الأول: أسباب انتشار الرشوة
بالنظر إلى حجم الأخطار والأضرار التي يمكن أن تحيق بالدولة والمجتمع من جراء شيوع الرشوة وانتشارها بين أفراد المجتمع.
لذلك يجب التأمل والتفكير كثيراً في طرق التخلص والنجاة من هذا الداء الخطير، ولوضع العلاج لا بد من التقصي عن أسباب سريان الرشوة في مجتمع ما، وهذه الأسباب تتجلى في أسباب سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية نعرضها تباعاً وفق ما يلي:
 أولاً: الأسباب السياسية:
لا شك أن الرشوة هي داء منتشر في أغلب الأنظمة السياسية، فهي لا تقتصر على الدول النامية والمتخلفة، بل نراها سارية في المجتمعات المتقدمة وإن كان بنسب أقل.
فالرشوة تكون بنسبة أعلى في الأنظمة السياسية التي لا يوجد عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمساءلة. ولا تتاح فيها حرية التعبير والرأي والرقابة، بحيث لا تخضع تصرفات السلطة السياسية للتنقيب والمساءلة والنقد، في ظل عدم وجود أجهزة إعلام حرة قادرة على كشف الحقائق وإظهار مواطن الفساد [1].
كما يساعد على انتشار الرشوة ضعف السلطة القضائية بحيث تبدو فاقدة لاستقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يؤدي إلى أن القانون لايطبق على الجميع وأن هناك أشخاص فوق القانون تبعاً لمنصبهم السياسي والإداري [2].
 ثانياً الأسباب الإدارية:
تلعب الإدارة دوراً كبيرا في مكافحة الرشوة، لا بل تعد مسؤولة مسؤولية تامة عن مكافحتها، ولعل أهم الأسباب الإدارية التي تؤدي إلى تفشي الرشوة، مـا يلي:
1 - تخلف الإجراءات الإدارية والروتين والبيروقراطية.
2 - غموض الأنظمة وتناقض التشريعات وكثرة التفسيرات [3]
3 - ضعف دور الرقابة وعدم فعاليتها وافتقارها إلى الكوادر المؤهلة والمدربة. [4]
4 - عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، والوصول إلى المناصب عن طريق أساليب غير مشروعة، فالذي يدفع الرشوة من أجل الوصول إلى موقع معين، عندما يصل إلى هذا الموقع سوف يبدأ بالتفكير في استرجاع ما دفعه. وبعد ذلك تدفعه متعة المال والجشع إلى طلب المزيد، الأمر الذي يصبح جزء من حياته في العمل والتفكير.
وهذه الفلسفة هي التي تعزز وتعشعش الرشوة وتؤدي إلى الفساد في المجتمع.
فقد أظهرت دراسة قام بها باحثون وخبراء نشرتها مؤخراً مصادر رسمية أظهرت بأن (80%) من أسباب انتشار الرشوة هي تمتع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة. [5]
ثالثاً: الأسباب الاقتصادية:
 لعل العامل الاقتصادي من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار الرشوة، وهذا الأمر يعود إلى:
1 - انخفاض مستوى المعيشة وتدني الأجور مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار:
فالموظف الذي يرتشي يكون عادة ضحية للحاجة الماسة للنقود، فهو مدفوع في أغلب الأحيان إلى ارتكاب الجريمة رغبة منه في قضاء حاجته التي لا يقدر على أدائها بسبب تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار، نظراً لضعف القوة الشرائية لمرتب الموظف الذي لم يعد يكفي لسد هذه الحاجات. [6].
2 سوء توزيع الدخل القومي:
الأمر الذي يجعل الأموال تتمركز لدى حفنة من الأشخاص، وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة حد الانقسام الطبقي، حيث تصبح الطبقة الغنية أكثر غنى والطبقة الفقيرة أكثر فقراً.
لذلك سوف يتولد لدى الموظف شعور الحقد والحسد والبغض، ويعبر عن هذا الشعور من خلال أخذ الرشاوي من أصحاب رؤوس الأموال.
 رابعاً: الأسباب الاجتماعية:
 الرشوة تعتبر سلوك اجتماعي غير سوي قد يلجأ إليه الفرد أو الجماعة كوسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية المتعارف عليها.
فمن أهم الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى انتشار الرشوة:.[7].
 1 - ضعف الوعي الاجتماعي:
فكثيراً ما نجد أن الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الطبقية وعلاقات القربى والدم سبب رئيسي في هذه الانحرافات الإدارية، بحيث يتم تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة.
2 تدني المستوى التعليمي والثقافي للأفراد:
حيث أن شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تفتقر إلى الثقافة العامة، ناهيك عن الثقافة القانونية، فجهل المواطن بالإجراءات الإدارية، وجهله بالقانون يجعل منه فريسة سهلة المنال بالنسبة للموظف الذي يحاول دوماً تعقيد الإجراءات للحصول على الرشوة.
فالمواطن البسيط يجد نفسه مضطراً لدفع الرشوة في سبيل الانتهاء من معاملته بالسرعة المطلوبة.
 3 ضعف إحساس الجمهور بمدى منافاة الرشوة لنظم المجتمع:
فبعد أن كان المرتشي يعد في نظر المجتمع مرتكباً للخطيئة أصبح الأفراد يشعرون بأن دفع مقابل لإنجاز بعض أعمالهم لا يعتبر رشوة، بل يجتهدون لإسباغها بنوع من المشروعية، فالبعض يسميها إكرامية أو حلوان أو ثمن فنجان قهوة أو أتعاب... الخ.
 4 ضعف الوازع الديني والأخلاقي:
حيث يعتبر الوازع الديني هو الرادع الأقوى والأجدى من جميع العقوبات الوضعية، فهو يمثل رقابة ذاتية على سلوك الفرد ويوجهه نحو الخلق الحسن والسلوك القويم [8]
 المبحث الثاني: سبل مكافحة الرشوة
 لا يكفي أن تحديد الداء بل لابد من إيجاد الدواء المناسب والعلاج الشافي، فتحديد أسباب الرشوة يدفعنا إلى البحث عن السبل الكفيلة للقضاء أو التخفيف من هذه الظاهرة المرضية في المجتمع واستئصالها.
 وباعتبار أن آثار الرشوة لا تقتصر على جانب معين من جوانب الحياة، بل تمتد لتشمل كافة الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية.
 لذلك يجب أن تتضافر الجهود في كافة هذه الجوانب لاستئصال الرشوة وذلك من خلال ما يلي:
 أولاً: الجانب السياسي: [9]
1 - ضرورة صدور قرار حقيقي من السلطة السياسية لمكافحة جريمة الرشوة وذلك من خلال إيجاد هيئة مستقلة لمكافحة الرشوة.
 وأن يكون شاغلوا الوظائف السياسية العليا والوسطى قدوة حسنة في سلوكهم المهني، بحيث ينعكس هذا السلوك على شاغلي وظائف الدولة كافة وأفراد المجتمع قاطبة.
2 - ضرورة تحقيق الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والعاملين.
3 - حرية الصحافة والتعبير والرأي وذلك لممارسة دورهم الرقابي لكشف مواطن الفساد والرشوة من خلال أجهزة إعلام حرة.
4 - ضرورة تحقيق مبدأ استقلالية القضاء والعمل على توفير البيئة المناسبة للقضاة بما يضمن استقلالهم وحيادهم.
 ثانياً: الجانب الإدارية:
وتكون مكافحة الرشوة في الجانب الإداري من خلال الأمور التالية:
1 الرقابة الفعالة على الموظفين: [10]
 وتكون الرقابة من خلال إسناد مناصب الإدارة والقيادة إلى أشخاص يتمتعون بحس عالي من المسؤولية، حتى يكونوا قدوة حسنة لمن هو أدنى منهم درجة، وأن يمارسوا دورهم الرقابي بكل أمانة ومصداقية على مرؤوسيهم.
والرقابة لا تكون فقط من المدير على موظفيه فحسب، بل تكون أيضاً من خلال جهاز للرقابة والتفتيش يعمل بشكل مستقل لمراقبة تصرفات الموظفين بشكل دائم، فيبقى الموظف الذي لا يرتدع عن ارتكاب الخطيئة بوحي من ضميره، خائفاً من هذا الجهاز الذي لا ينفك يسلط الضوء على سلوكه، ولا شك أن خشيته من تلك الرقابة المستمرة تمنعه من الإساءة إلى الوظيفة.
2 وضع الرجل المناسب في المكان المناسب: [11].
بما يكفل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام جميع المواطنين.
 فالاختيار والتعيين للوظيفة يجب أن يكون على أسس موضوعية وعلمية وأن تكون على أساس الكفاءة والمقدرة، وليس على أساس الوساطة والمحسوبية والرشاوى.
3 تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا:
حيث يتم محاسبة كافة المرتشين والفاسدين وصرفهم من الخدمة، أما من تثبت كفاءته ونزاهته يتم مكافئته وترفيعه.
فإذا ما تم ترفيع الموظف المرتشي على حساب الموظف النزيه فإن هذا الموظف سوف يعمد إلى محاربة الموظف النزيه وبالتالي تعميم ظاهرة الرشوة بين جميع الموظفين في هذه الدائرة.
 ثالثاً: الجانب الاقتصادي:
1 تحسين الوضع الاقتصادي للموظفين: [12].
حيث أن أهم أسباب الرشوة هي المرتبات المتدنية التي لا تتناسب مع متطلبات المعيشة وغلاء الأسعار.
لذلك لابد من زيادة الرواتب للموظفين بشكل مستمر وتحسين مستوى المعيشة بحيث يتم توفير متطلبات عيش كريم لمنع مبررات الرشوة.
لأنه إذا أردنا لموظفينا أن تعف نفوسهم عن قبول الرشوة، كان لزاماً على أولي الأمر أن يدرسوا واقع القوة الشرائية لمرتبات الموظفين، بحيث تؤمن لأدناهم معيشة كريمة تغنيه عن الارتشاء.
فإذا ما ارتكب الموظف بعد ذلك جريمة الرشوة، فإنه عندئذ يكون مجرماً ومستحقاً للعقاب، لأنه لم يرتشي لحاجة أو فقر، إنما لدناءته وجشعه.
2 التوزيع العادل للدخل القومي والثروات:
وذلك بما يخفف حدة التفاوت الطبقي في المجتمع، ويكون ذلك من خلال سياسة ضريبية عادلة.
3 تطوير الأنظمة والقوانين الاقتصادية:
وذلك بما يكفل خلق مناخ استثماري ملائم يسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني [13].
 رابعاً: الجانب الاجتماعي: [14]
 ويتم مكافحة الرشوة في المجال الاجتماعي من خلال ما يلي:
1 تربية أفراد المجتمع تربية أخلاقية ودينية:
 لمكافحة كافة الأمراض الاجتماعية والأخلاقية ومنها الرشوة لا بد من زرع بذور الأخلاق الطيبة والمبادئ السامية في نفوس المواطنين.
 ويكون ذلك من خلال دور البيت والمدرسة في توجيه الطفل إلى السلوك القويم والأخلاق الحميدة.
 إضافة إلى دور التربية الدينية التي تعزز في الفرد الخلق الفاضل، باعتبار أن الوازع الديني أقوى من كافة العقوبات التي تقررها القوانين الوضعية، حيث أنه يشكل رقابة ذاتية على تصرفات وسلوك الناس، فإذا ما انحرف الإنسان بسلوكه، يعود به الوازع الديني إلى جادة الصواب والطريق السليم.
2 تحسين مستوى الوعي العام:
 إن من أسباب تقليص حجم الجريمة في المجتمع هو تبصير أفراد المجتمع بماهية الجرائم التي يعاقب عليها القانون، والمخاطر التي تسببها تلك الجرائم على كيان الدولة والمجتمع.
 لذلك لابد من الارتقاء بالمستوى الثقافي للمواطنين والقضاء على الجهل والأمية، بما يكفل تغليب المصالح العامة على المصالح الشخصية الضيقة، وتغذية ولاء الموظف العام للدولة وللمرفق الذي يعمل فيه وإضعاف ولائه للعشيرة والأهل.
3 التشديد في عقوبة الرشوة:
 ويشمل التشديد العقوبة بشقيها الاجتماعي والقانوني. حيث ينبغي فضح ثقافة الرشوة والواسطة وإلصاق لفظ العيب بهذا السلوك الشائن والنظر إلى المرتشي نظرة تحقير واشمئزاز.
كذلك لابد من تشديد العقوبة القانونية لجريمة الرشوة بما يتناسب مع الأثر الذي تحدثه في مختلف جوانب المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.



خاتمـة:
الرشوة تعتبر ميزان حرارة المجتمع، فإذا انتشرت الرشوة في المجتمع دليل على المرض والوهن والضعف الذي يتصف به هذا المجتمع.
 فالرشوة جريمة لها مخاطرها على كافة الأصعدة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذلك فإن الاهتمام بها لا يفترض أن يقتصر على رجالات القانون، بل يجب أن يتعداهم إلى رجالات السياسة والاقتصاد، وعلماء الدين والتربية والاجتماع.
وإذا كانت أسباب الرشوة تتمثل في الأنظمة السياسية غير الديمقراطية وضعف الوازع الديني والأخلاقي، وضعف مستوى الوعي العام، إضافة إلى سوء الوضع الاقتصادي للموظفين وضعف الرقابة.
فإنه لابد من مكافحة هذا الداء من خلال تربية أفراد المجتمع تربية أخلاقية ودينية وتحسين مستوى الوعي العام وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين، إضافة إلى إيجاد الرقابة الفعالة والعقوبات الرادعة.
كما يجب أن تستنهض كل همم الصالحين والمصلحين، وكل العلماء وأهل الحكم للوقوف بوجه هذا الوباء بحزم، واتخاذ كافة سبل الوقاية والعلاج حتى يشفى المجتمع من هذا الداء الخطير، وينعم الناس بالأمن والعدل والاستقرار.

المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط