التسامح تعايش حضاري

التسامح تعايش حضاري

 قال الفيلسوف فوليتر:


( ما هو التسامح ؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعاً من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل).

        التسامح لغة من السماح والجود والصفح والتساهل والغفران، والتسامح هو قناعة وقاعدة سلوكية تنبني على الإيمان بالآخر المختلف عني وتقبل آرائه وترك الحرية له كي يعبر عن مواقفه ومعتقداته مهما كان اختلافنا معه.
وقد استعملت كلمة التسامح
tolérance خلال القرن السادس عشر نتيجة الصراعات والحروب الدينية في القارة الأوروبية، خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت، حيث خلص الطرفان إلى ضرورة التعايش وقبول كل طائفة للأخرى، وبعد ذلك انتشر هذا المفهوم ليشمل الأديان والمعتقدات الأخرى.
وخلال القرن 19 تم توسيع مفهوم التسامح على مجالات الفكر وتعايش الآراء المختلفة.
يتأسس مفهوم التسامح على مبدأ نسبية الحقيقة ومعارضة الفهم الإطلاقي لها، فالفكر المتسامح فكر منفتح على الآراء الآخرى عكس الفكر الإطلاقي الذي يعتقد أصحابه أنهم مالكو الحقيقة الواحدة وأنهم هم الوحيدون على صواب وغيرهم مخطئ، فالتيارات الدينية المتشددة تكفر كل من لا يتبع مواقفها وفهمها المتطرف للدين، وترفض الاعتراف بالفكر الآخر أو التعامل معه.
إن التسامح مرتبط بمستوى متقدم من تطور الحضارات الإنسانية وتأسيس المجتمعات الديمقراطية الحديثة التي وضعت قواعد قانونية وأخلاقية لتدبير الخلافات والاجتهادات السياسية والفكرية وتعايش الديانات المختلفة، كما وضعت حدودا لحرية التعبير عن المواقف والآراء بما لا يهدد استقرار الجماعة وسلامتها، فلا يمكن أن نعتبر «الفكر» الذي يدعو إلى العنف والقتل والتمييز العرقي بين الأجناس مجرد «رأي» لا بد أن نتعايش معه، بل هو «فكر» إجرامي مهدد لأرواح الناس وللتعايش الإنساني، لهذا اتفقت مختلف الحضارات على التنصيص القانوني على معاقبة أصحابه.
إن الإرهابيين وأنصارهم مثلا يحاولون خداع الناس باعتبار الفكر الإجرامي الذين يدعون إليه مجرد «اختلاف في الرأي» وتساندهم في هذا الموقف بعض الجمعيات الحقوقية المتطرفة التي تدخل كل الأفكار في خانة «الرأي» بما فيها الفكر المؤيد للإجرام وللتفرقة العنصرية.
إن التسامح تربية قبل أن تكون قناعة فكرية، لهذا نجد الشعوب المتحضرة (في أمريكا وأوربا) تتقبل بسهولة جميع الجنسيات والأديان، وتسمح بتعايشها على أرضها مادامت تحترم قوانين البلدان المضيفة، عكس ما تنشره جماعات التكفير من حقد وكراهية بين أبناء الأديان والحضارات المختلفة (مثل قاعدة الإرهاب العالمي)، التي تدعو الى عدم التعامل مع الغرب انطلاقا من عقيدة «الولاء والبراء» باعتبار الإلتجاء الى «الكفار» والإحتماء بهم خروج عن العقيدة التي تأمرنا بعدم اعتبارهم «أولياء لنا». إن هذا المنطق المتقوقع على الذات منطق متجاوز لأن عصرنا هو عصر التلاقح الحضاري والتعاون بين الشعوب

 

المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط