حضارة بلاد الرافدين
تمتدّ بلاد ما بين النهرين من جبال زاغروس في الشمال إلى الخليج العربي في الجنوب ومن بوادي إيران في الشرق إلى البادية السّورية في الغرب، وتُقسَم إلى قسمين طبيعيين: في الشّمال تسيطر جبال وعرة صعبة المسالك وفي الوسط والجنوب يمتدّ سهل رسوبي كثير المستنقعات والأهوار.
تمتدّ بلاد ما بين النهرين من جبال زاغروس في الشمال إلى الخليج العربي في الجنوب ومن بوادي إيران في الشرق إلى البادية السّورية في الغرب، وتُقسَم إلى قسمين طبيعيين: في الشّمال تسيطر جبال وعرة صعبة المسالك وفي الوسط والجنوب يمتدّ سهل رسوبي كثير المستنقعات والأهوار.
يخترق البلاد نهران عظيمان، هُما دجلة والفرات
اللّذان ينبعان من هضبة إيران في الشمال ويصبّان في الخليج العربي ويمتازان بغزارة
مياههما وفيضاناتهما المستمرة.
استوطنت هذا السهل، ومنذ فجر التاريخ، مجموعات من الشعوب أقامت القرى
والمدن واختلطت وتمازجت فيما بينها مكونةً حضارةً مميزة ودولاً متعددّةً.
تُعَدّ حضارة بلاد الرافدين من الحضارات العالمية القديمة بدأً بالأكاديين
والسومريين
ومرورًا بالبابليين
فالأشوريين
والكلدانيين الذين أسّسوا الدولة البابلية الثانية.
انقسم مجتمع بلاد ما بين النهرين إلى ثلاث طبقات:
* الأحرار وتشمل طبقتهم سكّان المدينة الأصليين وكبار موظفيها ورجال الدين
وملاكي الأراضي اللذين تمتعوا بالثروة والسّلطة. ويأتي في طليعة هذه الطبعة: الملك
يليه الوزير والحاكم فالهكنة ثم الكتبة والموظفون.
* المساكين وهي طبقة وسطى بين العبيد والأحرار، يتكوّن أفرادها من الأحرار
الذين أصيبوا بالإفلاس ففقدوا ثرواتهم، أو من العبيد الذين تمكّنوا من شراء
حرّيتهم من أسيادهم.
* العبيد وهم أسرى الحروب، ويأتون في أسفل الهرم الإجتماعي. وكان يُسمَح
للعبيد بالزواج ، وبأن يشتري حريته من سيده فيرتفع بذلك إلى طبقة المساكين.
تألّف الجيش عند السومريين من فِرَق المُشاة والرّماة. وكان الجنود يلبسون الخوذ ويتسلّحون بالرماح والسيوف والأقواس والنبال ويستعملون العربات التي تجرّها الحمير في بعض الأحيان. وقد تطوّرت الأسلحة في عهد حمورابي وأصبحت من البرونز. إلاّ أنّ التنظيم العسكري بلغ الذروة في زمن الأشوريين إذ نُظِّم الجيش وقُسِّم إلى فرق ذات اختصاص.
تألّف الجيش عند السومريين من فِرَق المُشاة والرّماة. وكان الجنود يلبسون الخوذ ويتسلّحون بالرماح والسيوف والأقواس والنبال ويستعملون العربات التي تجرّها الحمير في بعض الأحيان. وقد تطوّرت الأسلحة في عهد حمورابي وأصبحت من البرونز. إلاّ أنّ التنظيم العسكري بلغ الذروة في زمن الأشوريين إذ نُظِّم الجيش وقُسِّم إلى فرق ذات اختصاص.
تألّف الجيش الأشوري من المشاة، كانوا كثيري العدد، والفرسان الذين
امتازوا بسرعة الحركة، وفِرَق الهندسة التي تهتمّ بصنع آلات الحصار. والعربات
الحربية وهي بمثابة فِرَق الدبابات في الجيوش الحديثة، والأسطول، وكانت معظم سفنه
نهرية، استعانوا بالفينيقيين لبنائها. وكان الملك هو الذي يقود الجيش في معظم
الأحيان خاصةً حين تكون المعارك حاسمة.
واجَهَت الزراعة في بلاد ما بين النهرين مشاكل متنوعةً بالرغم من امتداد
الأراضي السهلية الخصبة. فالأمطار قليلة والمستنقعات والأهوار تُسيطر على مساحاتٍ
واسعةٍ. وملوحة التربة تزداد بعد كل فيضانٍ. وقد عملت الشعوب القديمة للتغلب على
هذه المصاعب، فأقامت الأقنية والترع التي نقلت المياه إلى أماكن بعيدةٍ، وجفّفت
المستنقعات وغسلت التربة للتقليل من ملوحتها. وقد نوّع السكان مزروعاتهم فأنتجوا
القمح والشعير وغرسوا الأشجار المثمرة والخضار والفواكه وأولوا النخيل اهتمامًا
خاصًا لملاءمته طبيعة البلاد ومناخها، كما أنهم ربوا القطعان من أبقارٍ وأغنامٍ
وماعزٍ.
أمّا الصّناعة فقد تمركزت حول القصر المَلكي بسبب توفير المواد الأوّلية
والصناع المهرة. وقد عالج السّكان المعادن واستعملوا النّحاس في صنع أسلحتهم،
وتوصّلوا إلى معرفة البرونز. وأهمّ مصنوعاتهم الدولاب الذي أحدث انقلابًا في وسائل
النقل، والمحراث الخشبي الذي يحرث ويبذر في الوقت نفسه والمصنوعات الفخارية
المتنوّعة والأنسجة والثياب والخمور والعطور.
وبفضل انفتاح البلاد على المناطق المجاورة، وافتقارها إلى المعادن
والأخشاب، وقيام الإمبراطوريات واتساع نفوذها وبسط سيطرتها على آسيا الصغرى وسورية ومصر،
ازدهرت التجارة في بلاد ما بين النهرين. فكانت السفن النهرية تنقل الإنتاج عبر
نَهرَيّ دجلة والفرات
والقوافل البرية التي تعبر البوادي السّورية إلى بلاد الأرز ومصر. وحملت
هذه القوافل الحبوب والأنسجة الصوفية وعادت مُحمّلةً بالمعادن والأخشاب.
عَبدَت شعوب بلاد ما بين النهرين مظاهر الطبيعة والقوى الكامنة فيها،
واعتبرت أنّ الآلهة كالبشر لها ميولها وعواطفها وأهواؤها، وهي تُقرّر حياة الأشخاص
ومُستقبلهم. ويقوم مُجتمع الآلهة على نظام المجتمع البشري نفسه وأساسه العائلة
الإلهية التي تتكوّن من الأب والأم والابن. وقد تعدّدت الآلهة بتعدّد المدن
والدول. فلكلّ مدينةٍ إله يدافع عنها ويعلي شأنها. وكانت أكثر الآلهة شهرةً
وأهميةً قد جمعت في ثالوثين: الأوّل طبيعي ويضمّ "آنو" إله السّماء،
و"أنليل" إله الأرض، و"إنكي" إله المياه والأنهار. والثّالوث
الثاني فَلَكيّ يتكوّن من "ننار" إله القمر، و"شمش" إله
الشمس، و"أنانا" كوكب الزهرة وهي آلهة الحب والجمال، وهي محبوبة الإله
تمّوز.
أمّا الحياة الثانية، فلم يكن لشعوب بلاد ما بين النهرين تصوّر واضح عن
حياة ما بعد الموت، بل كان يلف مصير الروح الغموض. لذلك اعتقدوا أن الروح بعد
مغادرة الجسد تتيه في الأجواء ناقمةً على الأحياء، تحاول الإيقاع بهم. فأصبحت غاية
التّعبد عندهم اكتساب رضى الآلهة في حياتهم الأولى ليطول عمرهم وتبعد عنهم الشرور
والأمراض. وهم بذلك يختلفون عن المصرييّن الذين آمنوا بحساب بعد الموت والخلود في
السعادة أو الشقاء.
لم تصلنا آثار كثيرة من فنون بلاد ما بين النهرين. وأبرز آثارُ الفنّ
المعماري التي وُجِدَت كانت عبارةً عن قصورٍ للملوك أو معابد للآلهة. فقصر نبوخذ
نصر في بابل
بلغت مساحته عشرة كيلومترات. وقصر سرجون الآشوري تجاوزت غرفه المئتين ويشتمل على
قاعاتٍ واسعةٍ وحمّاماتٍ ومخازن ومكتبةٍ.
أمّا الزقورة فهو المعبد الذي بُنِيَ من أربع أو سبع طبقاتٍ ووصل ارتفاعها
في بعض الأحيان إلى 35 مترًا. والزقورة هي بيت الإله يأتي إليها كي يقيم في غرفته
في أعلى الجبل. لذلك لم توضع فيها التماثيل. كما أنّها كانت خليةً اقتصاديةً يتبع
لها أراضٍ ومصانع وأبنية وحوانيت ومخازن ومدرسة. ولعلّ أبرز أثرٍ معماريٍ هو زقورة
بابل في عهد نبوخذ نَصّر والتي اعتبرت مع جنائنها المعلّقة إحدى عجائب الدنيا
السبع.
جاءت تماثيل السّومريين ومنحوتاتهم صغيرة الحجم، وذلك لإفتقار البلاد إلى
الحجارة، وتمّ التركيز في صنعها على الرأس. أما في الشمال، حيث المناطق الجبلية في
ظل سيطرة الآشوريين، فقد اختلفت موضوعات الفن، إذ ركّز الفنانون على إبراز مظاهر
القوة والعظمة للملوك الذين يهاجمون الأعداء أو يطاردون الوحوش الضارية، ونقش
اللبوة الجريح خير مثالٍ على ذلك.
عرفت شعوب بلاد ما بين النهرين فنونًا صغيرةً، كصناعة الحُلي والأواني
الفخارية وحفر الخشب وتزيينه.
اعتمد السّومريون على الكتابة التّصويرية لنقل أفكارهم. فكانوا يحفرون
الصُّوَر على ألواحٍ من الطين. ثم طوّروا هذه الكتابة فاختزلوا الصّورة واستعملوا
جزءًا منها فجاءت أشكالها على الطين أشكال المسامير. لهذا سُمّيَت بالمسمارية.
كانت أداة الكتابة قطعةً صلبةً من معدنٍ أو خشبٍ أو قصبٍ تُرسَم بواسطتها
الأشكال المسمارية على لوح الدّلغان. وكانت الكتابة المسمارية تُكتَب من اليمين
إلى اليسار أو من الأعلى إلى الأسفل.
أمّا آداب بلاد ما بين النهرين فهي عبارة عن أساطير منظومة شعرًا تروي
مغامرات الآلهة والأبطال. وأقدمها ما ورد في الأدب السّومري. وتُعتَبَر
"ملحمة الخلف" وأسطورة "جلجميش" من أشهر الآثار الأدبية التي
تناقلتها شعوب المنطقة وُوِجَدت مكتوبةٌ على ألواح دلغانية في مكتبات بابل وأشور
ورأس شمرا. وهي تطرح أسئلة فلسفية عن الحياة والموت وموقف الإنسان من الآلهة،
وسعيه للحصول على الخلد. كما نشأ أدب التعليم والتهذيب والحكمة نثرًا وشعرًا وهو
غني بالنّصائح والقِيَم.
حتّى وقتٍ قريبٍ كان الإعتقاد السائد أن شرائع حمورابي هي أقدم القوانين
المكتوبة، إلاّ أنّ تطوّر الحفريات في العراق أظهر وجود قوانين وشرائع تعود إلى
العهد السّومري، منها شرائع أورنمو، شرائع أشنونا، شرائع حمورابي.
كذلك اهتمّت شعوب بلاد ما بين النهرين بالتنجيم الذي هو أساس علم الفلك.
وتمكّن علماء الفلك البابليون من تحديد موعد الخسوف والكسوف وتحديد مواقع النجوم
ووضع خريطة لها. واعتمدوا في التقويم على السّنة القمرية فقسّموها إلى اثني عشر
شهرًا وقسّموا اليوم إلى أربع وعشرين فترة أو ساعة والساعة إلى ستين دقيقة. كما
برع السومريون في العمليات الحسابية من جمعٍ وطرحٍ وضربٍ واستعملوا الكسور، وحلّوا
مسائل حسابية صعبة، ووضعوا بعض المعاملات الجبرية، وحددّوا بدقةٍ حجم المُكعّب
والأسطوانة القائمة. كما تطوّر الطب في عهدهم وأصبح الطبيب من ذوي الإختصاص بعد ما
كانت الأدوية في البداية عبارة عن طلاسم وتعاويذ ثم أصبحت وصفات طبية تعتمد على
الأعشاب والرماد والزيت.