دراسات حول التربية والديمقراطية:
ثمة دراسات عديدة تناولت علاقة التربية بالديمقراطية، ومن أهم هذه
الدراسات كتاب الأمريكي جون ديوي بعنوان:" الديمقراطية والتربية " ، وقد
نشره سنة 1916م، ويتناول الكتاب في مجمله فلسفة التربية وتطبيقاتها.
كما صدر كتاب آخر تحت عنوان:" الدين والتربية والديمقراطية " سنة 1997م، وقد أشرف عليه كل من ميشلين ميلو وفرناند ويلي .
كما صدر كتاب آخر تحت عنوان:" الدين والتربية والديمقراطية " سنة 1997م، وقد أشرف عليه كل من ميشلين ميلو وفرناند ويلي .
وتوجد كتب ومؤلفات عديدة خصصت للتربية والديمقراطية بعض الفصول
كالباحث غي آفانزيني في كتابه الذي نشره سنة 1975م بعنوان:" الجمود والتجديد
في التربية المدرسية" حيث أثبت في القسم الثالث فصلا سماه:" التربية
الحديثة والديمقراطية الحرة".
4- واقع الديمقراطية في مؤسساتنا
التربوية:
من سيلقي نظرة بانورامية سريعة حول حال مؤسساتنا التعليمية
والتربوية سيصاب بدوار كبير واندهاش شديد؛ لأن هذه المؤسسات تحولت إلى ثكنات
عسكرية لاتؤمن إلا بالانضباط واحترام القانون ونظام المؤسسة، حتى الأبواب تشبه
اليوم أبواب السجون المخيفة، إذ نجد عند باب هذه المؤسسات حراس الأمن يلبسون أزياء
رسمية تشبه الأزياء العسكرية، ويحملون العصي القصيرة كرجال المخزن ليخيفوا بها
براعم المستقبل من أجل أن يفرضوا النظام ولو استدعى الأمر في ذلك استعمال القوة
والعنف وفرض العقوبات الزجرية سواء أكانت لفظية أم بدنية.
وقد سبب هذا الواقع التربوي البذيء في ظهور النظام التربوي
الأوتوقراطي الذي يستند إلى لغة القمع والقهر والتخفي مدنيا وراء قناع
الديكتاتورية العسكرية التي لاتعرف غير خطاب التأديب والزجر واستخدام العنف الرمزي
ولو ضد الأطفال الأبرياء؛ مما يولد في نفوس الناشئة قيما سلبية ومشاعر الحقد
والكراهية والخوف والانكماش وعدم القدرة على المغامرة والتخييل والابتكار والإبداع
لانعدام الحرية والديمقراطية الحقيقية والمساواة الاجتماعية.
ومن نتائج هذا الضغط السياسي ظهور جيل من الشباب اليافعين الذين
تمردوا عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، وحملوا مشعل الثورة والتغريب وتخريب منشآت
الدولة من أنابيب الماء وحنفياته و مصابيح كهربائية وإتلاف كل ماتملكه المؤسسات
التعليمية، وتكسير المقاعد وتشويه الجدران، والتغيب بكثرة عن المدرسة التي تحولت
إلى سجن قاتل كئيب، وفي الأخير يترك المتعلم المدرسة مبكرا، فينقطع عما فيها بسبب
شطط الإدارة وتعسف الطاقم التربوي ناهيك عن ضآلة فرص الشغل وضبابية المستقبل
وقتامته الجنائزية.
وبذلك، فقد وصلت المدرسة المغربية إلى آفاقها المسدودة، فصارت فضاء
مسرحيا تراجيديا يشخص المأساة وصراع الأجيال، ويعكس بكل جلاء التطاحن الاجتماعي
والتفاوت الطبقي ويعيد لنا إنتاج الورثة كما يقول بيير بورديو وباسرون؛ لأن النظام
التربوي:"يتطابق كل التطابق مع المجتمع الطبقي، وبما أنه من صنع طبقة متميزة
تمسك بمقاليد الثقافة أي بأدواتها الأساسية (المعرفة، المهارة العلمية وبخاصة
إجادة التحدث)، فإن هذا النظام يهدف إلى المحافظة على النفوذ الثقافي لتلك الطبقة.
والبرهان الذي قدمه هذان المفكران يبرز التناقض بين هدف ديمقراطية التعليم الذي
يطرحه النظام وعملية الاصطفاء التي تقصي طبقة اجتماعية ثقافية من الشباب، وتعمل
لصالح طبقة الوارثين."
ويترتب عن هذا، أن المدرسة الوطنية هي مدرسة غير ديمقراطية تخدم
مصالح الطبقة الحاكمة والأقلية المحظوظة، وما التعليم العمومي والتعليم الخصوصي
والتعليم الفكري والتعليم المهني سوى تعبير عن تكريس التفاوت الاجتماعي وتحويل
المؤسسة التربوية إلى فضاء للتمييز اللغوي والعنصري ومكان للتطاحن الاجتماعي
والتناحر الطبقي والتمايز اللغوي.
وإذا كان إميل دوركايم ينطلق من رؤية محافظة في تحليل النظام التربوي في علاقته بما هو اجتماعي وسياسي، فإن ألتوسير .يرى بخصوص:" التقنيات والمعارف، أنه يجري في المدرسة تعلم قواعد تحكم الروابط الاجتماعية بموجب التقسيم الاجتماعي التقني للعمل.
وإذا كان إميل دوركايم ينطلق من رؤية محافظة في تحليل النظام التربوي في علاقته بما هو اجتماعي وسياسي، فإن ألتوسير .يرى بخصوص:" التقنيات والمعارف، أنه يجري في المدرسة تعلم قواعد تحكم الروابط الاجتماعية بموجب التقسيم الاجتماعي التقني للعمل.
كما يقول بأن النظام المدرسي وهو أحد أجهزة الدولة الإيديولوجية هو
الذي يؤمن بنجاعة استنساخ روابط الإنتاج عن طريق وجود مستويات من التأهيل الدراسي
تتجاوب مع تقسيم العمل، وعن طريق ممارسة الإخضاع للإيديولوجيا السائدة.إن المسالك
الموجودة في المدرسة هي انعكاس لتقسيم المجتمع إلى طبقات، وغايتها الإبقاء على
الروابط الطبقية."
ويرى بودلو .وإستابليه .بأن المدرسة إيديولوجية وطبقية وغير ديمقراطية تكرس التقسيم الاجتماعي لوجود " شبكتين لانتساب الطلاب إلى المدارس يحددهما الفصل بين العمل اليدوي والعمل الفكري، ثم التعارض بين طبقة مسيطرة وأخرى خاضعة للسيطرة".
ويرى بودلو .وإستابليه .بأن المدرسة إيديولوجية وطبقية وغير ديمقراطية تكرس التقسيم الاجتماعي لوجود " شبكتين لانتساب الطلاب إلى المدارس يحددهما الفصل بين العمل اليدوي والعمل الفكري، ثم التعارض بين طبقة مسيطرة وأخرى خاضعة للسيطرة".
وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية وغير ديمقراطية، فإنها في
الدول المتخلفة والمستبدة تكرس سياسة التخلف والاستعمار وتساهم في توريث الفقر
والبؤس الاجتماعي، فإننا نجد إيفان إليتش يدعو إلى إلغاء هذه المدرسة الطبقية غير
الديمقراطية في كتابه:" مجتمع بدون مدرسة".
فنظرية موت المدرسة حسب كوي أفانزيني هي في الحقيقة نظرية:"
تأثرت تأثرا كبيرا بالعوامل الجغرافية التي أحاطت بها والتي قد تجعل منها نظرية
صالحة لبلدان أمريكا اللاتينية، غريبة كل الغرابة عن المنطق التربوي للغرب. لاسيما
أننا نجد فيها بعض التساؤلات التي تؤيد مثل هذا التفسير الذي يقصرها على بلدان
بعينها، ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة ملائمة للعصر
الصناعي وأنها من إرث هو مخلفاته، وينبغي أن تشجب فقط في البلدان المتخلفة حيث
لاتستطيع أن توفر الانطلاقة اللازمة لها وحيث يكون حذفها شرطا لازما لحذف
الاستعمار والقضاء عليه، على أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضاء عليها قضاء
جذريا ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت".
وعلى أي حال، فواقع الديمقراطية في مدارسنا التربوية يرثى له بسبب عدم وجود الديمقراطية وانعدام فلسفة التسيير الذاتي واللاتوجيهية وغياب منظومة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكا بسبب غياب الديمقراطية في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.
وعلى أي حال، فواقع الديمقراطية في مدارسنا التربوية يرثى له بسبب عدم وجود الديمقراطية وانعدام فلسفة التسيير الذاتي واللاتوجيهية وغياب منظومة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكا بسبب غياب الديمقراطية في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.
5- أنواع الديمقراطية التربوية:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من الديمقراطية في مجال التربية
والتعليم، ونحصرها في أنواع ثلاثة وهي:
1
- ديمقراطية التعلم
: والمقصود
بها أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد من جميع التعلمات على
غرار أقرانه بشكل عادل ومتساو في إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر
القانوني والتشريعي على المربين أن يتعاملوا مع المتعلم على ضوء البيداغوجيا
الفارقية وبيداغوجيا الدعم لكي ينال حقه من التربية والتعليم كباقي المتمدرسين
الآخرين وخاصة الأغنياء منهم. ويطرح في هذا السياق موضوع الزي المدرسي الذي ينبغي
أن يكون رسميا وموحدا بين جميع تلاميذ المؤسسات التربوية.
أضف إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.
أضف إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.
2- ديمقراطية التعليم:
تسعى الدول المتقدمة إلى جعل التعليم ديمقراطيا من خلال تعميم
البرامج وتوحيد المناهج والمقررات على الرغم من تنوعها في الأشكال والمضامين.
بالإضافة إلى تأميم التعليم وإلزاميته وإجباريته لكي تحد الدولة
الراعية لأبنائها من نسبة الأمية والفقر والتخلف. فالتعليم هو الذي يغير المجتمع
ويحقق الديمقراطية الحقيقية. كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس
والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية.
وعندما نقول أيضا بديمقراطية التعليم، فنعني به جعل التعليم ذا
خاصية شعبية يستفيد منه الجميع بدون استثناء أو إقصاء، فتصبح المدرسة مفتوحة
للفقراء والأغنياء بطريقة عادلة ومتساوية تتكافأ فيها الفرص.
وينبغي أن نعرف أن مبدأ توحيد المناهج الدراسية الذي أصبح ميسما
يعبر عن تطلعات الأحزاب الشعبية وشعارا براقا لكل القرارات السياسية والوطنية
ينبغي ألا يلغي:" مايزخر به الواقع المغربي المتعدد، وما تفرضه شروط وآليات
التحول الجديدة من ضرورة الانفتاح على كل أنماط التعدد والاختلاف والتمايز الطبقي
والإثني... واحتوائها وتجاوزها في الآن ذاته، وذلك بتكريس الانخراط التشاركي الشمولي
في بناء دولة وفاق اجتماعي ديمقراطي وتكاملي. ويتأسس هذا الطرح على كون الرهان على
البناء الديمقراطي، في مجتمعاتنا العربية والثالثية عامة، لن يبلغ أهدافه أبدا إلا
عبر جسور متينة من التربية والتكوين والثقافة وإعداد الموارد البشرية، وإلا بواسطة
الدمقرطة الشاملة لأساليب وقنوات توزيع الرأسمال الرمزي، المتمثل في التكوين
والمعرفة والثقافة، هذا فضلا عن دمقرطة توزيع مختلف أشكال الاستفادة المادية،
ومختلف المواقع والأدوار والمراتب الاجتماعية بين كل الفرقاء المعنيين في المجتمع"
وهكذا، فكل الدول تسعى جادة وجاهدة لتثبيت أجواء الديمقراطية في
مؤسساتها التربوية عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية والقرارات الحكومية
والقوانين المنظمة ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في مجتمع ديمقراطي، ولكن أي نوع من
هذا المجتمع في غياب الحريات وانتشار التسلطن والاستبداد؟!!
3- تعليم الديمقراطية:
لايمكن لمجتمع ما أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة
وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على
الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي
تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها.
بيد أن مدرسة الثكنة العسكرية والقمع والقهر لايمكن أن تنتج سوى
أساليب التعسف والتفكير الإقصائي والتطرف الإرهابي والجنوح نحو الديكتاتورية
والسلوك العدواني الطائش.
فبالتربية نتعلم الديمقراطية ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا.
ولم يعد يخفى أيضا على أحد:" كون المؤسسة التعليمية تلعب دورا
رئيسيا، انطلاقا من انفتاحها على الحياة السياسية للمجتمع في ترسيخ مجموعة من
المبادئ والقيم الكفيلة بالنهوض بالمجتمع وبتحديثه سياسيا؛ فدور المدرسة، لم يعد
يقتصر على محيطها الداخلي، بل يتعداه إلى جوانب قد تبدو للشخص العادي بعيدة عنها،
لكنها في الواقع هي تربتها الأصيلة؛ لأن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان
والتعددية السياسية، كلها قيم تكتسب بفعل التربية ومناهجها؛ فتنشئة الأفراد على
تلك القيم هو السبيل الصحيح للوصول إلى حد المشاركة الفعلية في تسيير شؤون السياسة
للمجتمع، بنوع من العقلنة وبعيدا عن الارتجالية. ولا يفوتنا في هذا الجانب، أن
ننوه بالدور الذي لعبته المدرسة في خلق برلمان للطفل في الآونة الأخيرة"
إذا، فالتربية هي بمثابة السبيل الأوحد لتعليم الديمقراطية، وفرضها في أرض الواقع كي يجسد الإنسان آدميته وكرامته البشرية وأنفته الإنسانية.
إذا، فالتربية هي بمثابة السبيل الأوحد لتعليم الديمقراطية، وفرضها في أرض الواقع كي يجسد الإنسان آدميته وكرامته البشرية وأنفته الإنسانية.
6- آليات تحقيق الديمقراطية في
مجال التربية:
لايمكن الحديث عن التربية الديمقراطية أو ديمقراطية التعلم
والتعليم إلا إذا انطلقنا في تصورنا النظري من مجموعة من الآليات التطبيقية التي
تسعفنا على تحقيق الديمقراطية داخل مؤسساتنا التربوية قصد نقلها بعد ذلك إلى
المجتمع من خلال دفع المتعلم ليكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع كل أفراد
أسرته ومجتمعه ووطنه وأمته بدون استثناء.