الهجرة إلى الحبشة

بين يدي الهجرة:

كان لجوء قريش لأسلوب التعذيب والتنكيل بأتباع الدعوة الإسلامية بمثابة الحل الأخير، الذي يُعِّبر عن يأس المشركين وفشلهم في مواجهة الدعوة بالحجة والبيان، ثم فشلهم في الأساليب المتنوعة؛ لوقف الدعوة، أو حتى إقناع صاحبها-عليه الصلاة والسلام-بالكف عن هدم باطلهم، وهتك ضلالهم، فكان التعذيب هو الحل الأخير، وهو حل اليائسين؛ لذلك اشتدت قريش في تعذيبها للفئة المؤمنة، بصورة جنونية، تخالف ما كانت عليه أخلاق العرب، من مروءة، ونصرة للمظلوم، وحمية للعشيرة، فلم يكن لوسائل التعذيب والاضطهادات؛ سقف تقف عنده أو تنتهى إليه، ووتيرة التعذيب والتنكيل؛ تزداد كل يوم؛ حتى طالت الكبير والصغير، الرجال والنساء، الأحرار والعبيد، الأشراف والضعفاء، حتى صاحب الدعوة-نفسه-رغم مكانته وشرفه ومنعة عمه أبي طالب سيد قريش-قد تعرض لصنوف شتى من التعذيب والاضطهاد، وتحت شدة التعذيب بدأت الدعوة تفقد بعض مكتسباتها بالشهادة تحت وطأة التعذيب، أو بالافتتان عن الدين، ومن هنا جاء تفكير النبي-صلى الله عليه وسلم-في الهجرة إلى الحبشة.
 القرآن ينير الطريق:
 في ذروة الاضطهاد، وقد أحلك الوضع على المؤمنين؛ نزل جبريل-عليه السلام-بوحي السماء نوراً، وهدايةً، وإرشاداً إلي المخرج من هذه الأزمة الخانقة؛ إذ نزلت في تلك الفترة آيات من سورة الكهف تقص على المؤمنين نبأ الفتية المؤمنين الذين اعتزلوا قومهم وما في القصة من إرشاد لطريق الهجرة؛ للحفاظ على الدين والدعوة، ثم نزل قوله-عز وجل-: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) [النحل: 41]، وقوله-عز وجل-: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
وفي هذه الآيات دلالة واضحة، ومباشرة من الله-عز وجل-على الهجرة، إن عجز المؤمنين عن إقامة دينهم وفتنوا فيه، وإن الله-عز وجل-سيجعل لهم الفرج، والأجر العظيم بعد ذلك.
 أسباب الهجرة إلى الحبشة:
 ربما يظن البعض أن الهجرة كانت فراراً بالأرواح، وحفاظا على الحياة، وهروباً من نار التعذيب التي اكتوى بها المؤمنون جميعاً، لو كان الأمر هكذا؛ لما احتاجوا-أصلاً-إلى الهجرة، وترك الأوطان، والتفرق في البلاد، إنما كان يكفيهم أن يتظاهروا بموافقة المشركين على مرادهم، وتبقى قلوبهم عامرة بالإيمان، كما حدث مع عمار بن ياسر-رضي الله عنه- عندما أذن له الرسول-صلى الله عليه وسلم-أن يتظاهر بموافقة المشركين، ومسايرتهم؛ كلما اشتدوا في تعذيبه، ولكن لا يصلح-أبداً-أن يكون الأصل في الدعوة الإسلامية التقية والتظاهر بما ليس في القلب، فتلك حالة استثنائية، وتطبق عند الضرورة، لا تصلح أن تكون هي الأصل في الدعوة، كما هو الحال عند طوائف الشيعة المنحرفة.
ولكن الهجرة كانت أكبر من مجرد إنقاذ أرواح، وحفاظ على أفراد، ولها أسباب وغايات عظيمة، ذكر أهل العلم طرفاً منها فقالوا:
 1-تجنب الصدام مع المشركين:
فعلى الرغم من قسوة وسائل التعذيب، وضراوة الأساليب التي يتبعها المشركون؛ للصَّد عن سبيل الله ووقف الدعوة، إلا أن عدد المسلمين كان يزداد كل يوم، وكثر الداخلون في الإسلام من داخل قريش وخارجها، وأصبح صوت الإسلام مسموعاً في كل مكان، وتلك الكثرة التي تتنامى يوماً بعد يوم، كانت ستؤدي-حتماً-؛لصدام مع قوى الشرك المستنفرة والمستفزة نحو هذا الصدام، والمسلمون وخاصة الشباب، كانوا يرغبون في رد عدوان المشركين، والدفاع عن أنفسهم، فقد روى ابن إسحاق في السيرة بسند صحيح أن عبد الرحمن ابن عوف، وأصحابه ذهبوا إلي النبي-صلى الله عليه وسلم-بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون، فلمَّا آمنا صرنا أذلة، قال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم.
 وهذا من كمال حكمته-صلى الله عليه وسلم-وعظيم سياسته لشؤون الدعوة، ومراعاة طبيعة كلِّ مرحلة، فالفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد وبناء للفئة المؤمنة، وسط تلك الظروف الصعبة والأوضاع الضاغطة؛ حتى يتعلم الصحابة كيفية تحمُّل مختلف الظروف، وليتعلموا كيفية التحكم في قراراتهم وعواطفهم، وسط المؤثرات مهما كانت شدتها.
 كما أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لو أذن لأتباعه بالصدام مع المشركين؛ لخسرت الدعوة أضعاف ما كسبت، ذلك لأن كفَّ الأذى كان أشدَّ أثراً وأنفذ في مثل بيئة قريش، والتي كان لها الرياسة والشرف بين قبائل العرب، وسترد على القتال بأشد منه، ثم إنَّ الإذن بالقتال أو حتى رد العدوان؛ كان سيؤدي لقتال في كل بيت، فالرايات لم تكن واضحة أو متميزة، فالتعذيب والاضطهاد لم يكن من سلطة نظامية أو جهاز بعينه، يتولى كبر هذا التعذيب، والبيت الواحد كان فيه المؤمن والكافر، وكانت الأسر القرشية هي التي تتولى تعذيب أبنائها ومواليها، ولا تسمح لغيرها بفعل ذلك مع أبنائها.
 2-الفرار بالدين:
 وهو أبرز أسباب الهجرة، بل إنَّ تشريع الهجرة كان في الأصل لمن لم يستطع أن يمارس شعائر دينةٍ، ويعاني من التضييق والاضطهاد بحيث لا يستطيع أن يجهر بمعتقده وشريعته، والآيات التي نزلت في شأن الهجرة؛ كانت تتحدث عن فتنة المسلمين عن دينهم، والتمكين الذي سيحصلون عليه بعد صبرهم على ألم فراق الأوطان وترك الأهل، قال ابن اسحاق في السيرة: "قال الزهري في حديثة عن عروة في هجرة الحبشة: فلما كثر المسلمون وظهر الإيمان فتحدث به، ثار المشركون من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم يعذبونهم ويسجنونهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم، فلما بلغ ذلك الرسول-صلى الله عليه وسلم-قال للذين آمنوا به: (تفرقوا في الأرض) قالوا: فأين نذهب يا رسول الله؟ قال: هاهنا والإشارة إلى أرض الحبشة.
 3-فتح مجالات جديدة للدعوة:
 فالهجرة لم تكن-فقط-فراراً بالدين، أو تجنباً للصدام، ولكن-أيضاً-؛ لفتح أرض جديدة للدعوة، وكسب أنصار جدد للدعوة، ويظهر ذلك-جلياً-باستعراض أسماء من هاجر الهجرة الأولى للحبشة، فقد كانوا عشرة رجال وأربع نسوة، ليس فيهم أحد من الموالي أو الأرقاء أو الضعفاء، الذين كانوا يتحملون القدْرَ الأكبر من التعذيب والاضطهاد، بل كانوا من ذوي النسب والمنزلة والقبائل العريقة، مما يوضح أن للهجرة غايات أخرى غير الفرار بالدين، غايات تحتاج لمهارات خاصة وقدرات دعوية.
 ثم إنَّ تلك الغاية تتضح بشدة وتظهر كغاية أولى بعد الهجرة الثانية للحبشة، حيث ظلَّ المهاجرون مقيمين بالحبشة من العام السادس من النبوة حتى العام السابع من الهجرة أي قرابة الأربعة عشر سنةً، على الرغم من الحوادث الضخمة التي وقعت في تلك الفترة، لم يُعلمْ أن الرَّسول-صلى الله عليه وسلم-قد طلب منهم العودة، ولقد بقيت المدينة بعد هجرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-معرضة لهجمات المشركين حتى العام الخامس من الهجرة، ومع ذلك لم يرسل إلى مهاجري الحبشة؛ ليعودوا، وكان بقاء المهاجرين بالحبشة بأمر مباشر من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؛ لنشر الإسلام هناك وبناء قاعدة احتياطية للدعوة؛ تحسباً لمتغيرات طارئة في الجزيرة العربية، مما يدل على ذلك ما رواه البخاري من قول جعفر بن أبي طالب للأشعريين حين وافقوه بالحبشة: (إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-بعثنا هنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا).
 أسباب اختيار الحبشة:
 ربما يبدو اختيار الحبشة كمكان لهجرة المؤمنين للوهلة الأولى اختياراً غريباً، فالبلدُ في مكان بعيد، ويفصل البحر الطريق إليها، ولسان قومه وعاداتهم وأحوالهم مختلفة-تماماً-عن المؤمنين ذوي الأورمة العربية، والمحتد الصحراوي.
ولكن عند التمحيص والنظر الدقيق؛ تتجلى لنا الحكمة النبوية العالية والذكاء الاستراتيجي الفذ للنبي-صلى الله عليه وسلم-وإن الحبشة هي المكان الأنسب والأفضل؛ لهجرة الفئة المؤمنة وذلك لعدة أسباب:
 1-بلاد الحبشة بعيدة عن نفوذ قريش التي كانت لها السيادة الروحية والدينية على سائر العرب أو على الأقل أغلبها، وبالتالي لو خرج إليها المؤمنون لن يكون في وسع قريش الضغط على صانع القرار في الحبشة؛ لإجباره على تسليمهم، أو حتى إخراجهم من البلاد، وهذا يظهر من فشل محاولات قريش المتكررة في استرداد المهاجرين بواسطة وفد زائر يقوده داهية قريش-وقتها-عمرو بن العاص قبل إسلامه.
2-أيضاً بلاد الحبشة رغم بعدها النسبي جغرافياً وديموغرافياً عن العرب وقريشٍ، إلا أنَّ العرب في الجاهلية كانوا يعرفونها-جيداً-بسبب الرحلات التجارية، والصفقات التي كانت تتم بين الأحباش والعرب، وللعرب زيارات كثيرة إليها خاصةً في أيام الشتاء، وقد ذكر المؤرخون أمثال: الطبري، وابن عبد البر، وابن حبان، وغيرهم، أنَّ أرض الحبشة كانت متجراً لقريش، يتجرون فيها، ويجدون فيها سعة من الرزق وأمناً.
 3-عدْل ملك الحبشة وصلاحه، ولعل هذا السبب هو أظهر الأسباب وأوضحها وقد نص عليه-صراحةً-النَّبي-صلى الله عليه وسلم-عندما أشار على الصحابة بالخروج إلى الحبشة إذ قال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنَّ بها ملك لا يُظلم عنده أحدٌ) وهذا-إن دل فإنه-يدل على أمرين هامين:
 أولهما: المعرفة الواسعة للنبي-صلى الله عليه وسلم-بأحوال الدولة، والملوك في المنطقة وأيُّهم يشتهر بالعدل أو غيره وهكذا.
 ثانيهما: شهرة عدل النجاشي (ملك الحبشة) التي سارت بها الركبان؛ حتى وصلت إلى قلب الجزيرة العربية.
 وسيظهر أثر ذلك العدل والصلاح عندما سيرفض قبول الرشوة من قريش؛ لإرجاع المهاجرين وإيمانه الفوري بدعوة الرسول-صلى الله عليه وسلم-وذلك لصحة معتقده في عيسى (عليه السلام).
------------------------
قد يسأل أحدنا لماذا تمّ اختيار مدينة الحبشة للهجرة إليها وليس غيرها؟!.. هناك عدة أسباب نذكر أهمها :  
أولا: ما ذكره النبي (ص) عندما أمر المسلمين بالخروج من مكة مهاجرين إلى الحبشة، حين قال لهم :"فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق وإنه يحسن الجوار".
وما نستفيده من قول النبي (ص) عن أرض الحبشة بالصفات التي وصفها لنا بأنها أرض صدق، أنه كان في تلك البلاد شعب يعيش على الفطرة ويتعامل مع الأخرين بصدق وصفاء.
كما أن فيها ملكاً لا يظلم في بلاده أحداً، ويحسن ضيافة الوافدين إليه، فيمكن لهولاء المسلمين المهاجرين المضطهدين أن يعيشوا مع هؤلاء الناس بأمن وآمان. مما يعني أيضاً أنه بإمكانهم ممارسة عبادتهم وشعائرهم الدينية بحرية دون مساءلة أو اضطهاد من أحد.
ثانيا : لو درسنا الأوضاع السياسية، التي كانت سائدة في الجزيرة العربية وغيرها من المناطق المجاورة مثل الشام وإيران واليمن، لوجدنا أن أياً منها كان لا يصلح مكاناً لهجرة المسلمين أنذاك.
فالهجرة مثلا إلى المناطق العربية، بما يسكنها من عرب، لم يكن أمراً  ممكناً كون سكانها كانوا من المشركين والوثنيين وعباد الأصنام، وبالتأكيد أن هؤلاء كانوا سيمتنعون عن قبول المسلمين في أرضهم لو قرروا اللجوء إليهم وفاء وتعصباً للإلهتهم ودين أبائهم. هذا من جهة.
من جهة ثانية فقد كان لقريش نفوذ قوي في هذه البلدان وتأثير كبير على القبائل فيها. وبالتأكيد فإن هؤلاء كانوا سيرفضون وجود المسلمين بينهم إرضاء لقريش.
وأما الهجرة إلى بلاد الروم أو بلاد الشام فلم تكن أمراً ممكناً أيضاً، للأسباب نفسها تقريباً، مثل نفوذ لقريش في هذه المناطق من خلال علاقاتها التجارية والاقتصادية معها.
وهذا يمكّن قريش من المطالبة باسترجاع المهاجرين أو على الأقل إلحاق الأذي بهم. بلاد الجوار لم تكن آمنة للمسلمين الأوائل : أما الهجرة إلى إيران واللجوء إلى ملكها كسرى فلم تكن خياراً مضموناً أيضاً. لأن كسرى ملك النظام الفارسي آنذاك كان يحتقر العرب ويكرههم، ولا يرى لهم حرمة أو شأنا يذكر. وهذا يعني عدم إمكانية قبول النظام الفارسي بالمسلمين مهاجرين إليه من بطش قريش. خصوصا إذا أدرك أنه بوجود هذا العربي قد تتسرب دعوته داخل بلاده وتؤثر على امتيازاته ومصالحه الكبيرة.
وأما الهجرة إلى بلاد اليمن وبعض المناطق العربية والقبلية القريبة منها، لم تكن مسهلة بما يفترض، حيث إن هذه البلاد كانت تخضع لنفوذ النظام الفارسي، ولم تكن سلطاته لتسمح بإقامة المسلمين في مناطق تقع تحت سيطرتهم. لأجل كل ذلك كان الخيار أن يهاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة البعيدة عن نفوذ الروم والفرس وكذلك بعيدة عن نفوذ قريش، حيث لا يمكن للمشركين الوصول إليها، بسهولة ويسر لبعدها عن مكة ولعدم وجود طريق برية إليها.
وهكذا تمّت الهجرة إلى الحبشة. وبعدما استقر المهاجرون المسلمون في الحبشة، ورأت قريش أن استقرارهم فيها بحرية وآمان سيكونون دعاة لدينهم الإسلام في بلد يؤمن بالمسيحية وخشيت من توجيه المسلمين نشاطهم إلى تلك البلاد فينشروا الإسلام فيها ويصبحوا قوة لا طاقة لها بها، لذلك قررت قريش إرسال وفد منها إلى ملك الحبشة لاسترداد المسلمين المهاجرين، فأرسلت عمر بن العاص وعبدالله بن عتبة بالهدايا والتحف إلى النجاشي وحاشيته.
فلمّا وصل هذان الرجلان قالا للملك في حضور المقربين إليه إنه قد لجأ إلى بلدكم غلماناً منا سفهاء فارقوا دين أبائهم وقومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنتم. ولقد يعثنا إليكم فيهم أشراف قومهم لتردهم إليهم".
النجاشي يستمع للمسلمين ويرفض تسليمهم لقريش:
فأبى النجاشي ردهم قبل سماعه لما يقولون. وبعث في طلب المسلمين المهاجرين فلمّا جاءوه سألهم النجاشي :"ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الشعوب ؟".
فتولى جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) الجواب فقال :"أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف.
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتم وقذف المحصنات.
وأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام...". وعدّد له أمور الإسلام إلى أن قال :"فصدقناه وأمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله. فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرّمه علينا وأحللنا ما أحلّ لنا. فعدى علينا قومنا فعذبونا وأثنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأصنام والأوثان من دون الله ولنستحل ما كنا نستحله من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك".
فقال الملك النجاشي :"هل معك شيئاً مما جاء به عن الله تقرأه علينا؟". فقال جعفر :"نعم". وتلى عليه سورة مريم المباركة من أولها إلى قوله تعالى :"فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبدالله أتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ".
ولمّا سمع النجاشي ذلك قال :"إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة". ثم التفت إلى وفد قريش وقال لهم :"والله لا أسلمهم إليكم أبداً". وهكذا فشلت محاولات قريش في التشويش على المسلمين في الحبشة وفي استردادهم.
وبقي المسلمون المهاجرون في ظل حكم النجاشي معززين مكرمين يمارسون شعائرهم الدينية ونشاطهم التبليغي بحرية كاملة.



المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط