الزواج المبكّر



الزواج المبكّر

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

ندوة
الزواج المبكر


فرع نقابة المحامين بدمشق

الأربعاء 26/1/2011

إعداد
الشيخ محمد خير الطرشان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
        قال الله تعالى:[]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[] سورة الروم (21).
        أيها السادة! الزواج نعمةٌ عظيمة من الله تعالى، تتحقق فيه راحةُ النفس، وطمأنينة القلب، وطيبُ الحياة، ويعين على تحصين الفرج، وغضِّ البصر، وسلامة العبد من الوقوع فيما حرَّم الله عليه.
        وهو سنّة صلى الله عليه وسلم، فهو القائل: "حُبِّب إليّ من دنياكم النّساء والطّيب، وجُعلت قرةُ عيني في الصّلاة". رواه النسائي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
        وكلّما شاعَ النكاح في مجتمعٍ وكثُر، دلَّ على خيريّة ذلك المجتمع وكثرةِ الخير والصلاح فيه، وكلّما قلّ وضعُف شأنه كان عنواناً على عدم الاستقامةِ، فالحرص على إشاعة هذا النّكاح والإعانة عليه من الأمّهات والآباء أمرٌ مطلوب شرعاً؛ ليقوم الجميع بما أوجب الله عليهم، لتسعد البشريّة بتقلُّص الجرائمِ وقلَّتها، والحفاظ على العفة والطهارة، وتنقية النفوس من نوازع الفساد والانحراف والشذوذ.
^ التبكير في الزواج:
        الزواج المبكر لغة: هو الزواج قبل أوانه، أو المتقدم على وقته، فهذا ما تحمله كلمة "مبكر" من المعنى، وفي "لسان العرب": "وقال ابن جني أصل "ب ك ر" إنما هو التقدم أي وقت كان من ليل أو نهار".
        وقد تأتي بكّر بمعنى فعل الشيء في أول وقته وليس قبل وقته كما لو قيل: بكّرنا بصلاة الفجر أو الظهر أي: صليناها في أول وقتها.
^ الزواج المبكر عبر التاريخ:
        الزواج المبكر ظاهرة نشأت منذ القدم، حيث كان الإغريق والرومان يعتقدون بأن الزواج من صغار السن ينجب أطفالاً أقوياء جسدياً وأصحاء ذهنياً. حتى أن بعض معتقدات الديانات عند الهنود تحث على تزويج أبنائهم بعمر الست سنوات..
        وتدل الكتابات والنقوش في معابد المصريين القدماء بأن الفراعنة أوجدوا نوعاً من الطقوس الدينية أجازت زواج الجنسين في سن مبكرة.
        كما أن البابليين في بلاد ما بين النهرين شجعوا على هذه الظاهرة، فكان تشريع حمورابي يحض على الزيجات المبكرة من أجل إنجاب الذرية العديدة؛ لزيادة عدد الأفراد ودخولهم نطاق الخدمة الحربية في حال التعبئة القتالية والحروب ضد المماليك والدويلات آنذاك.‏
        أما لدى مجتمعاتنا العربية فكان الزواج المبكر يحمل أبعاداً اجتماعية وثقافية واقتصادية، حيث أن طبيعة مجتمعاتنا العربية تحبذ إنجاب الأطفال بكثرة، حتى غدت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الاجتماعية والعرفية المتأصلة لديهم، لذلك يحاول الأب والأم تزويج أولادهم بسن مبكرة من أجل زيادة النسل.
        ولها أيضاً بعد ثقافي؛ لأنها مرتبطة بجملة من العادات والتقاليد التي تنظر إلى الشاب أو الفتاة المتقدمين بالسن على أنهم سلبيون ويعانون جملة من المشاكل والنزعات تجعلهم يتأخرون عن الزواج، بالنسبة للشباب قد تكون مشاكل أخلاقية، أو أزمات معنوية، أو عقداً نفسية، أو عللاً جسدية.
        أما بالنسبة للفتيات فعدم زواجهن بسن مبكرة يمكن أن يخفف عدد المتقدمين إليهن في المستقبل، وبالتالي يمكن ألا يتزوجن مدى الحياة، ويدخلن في ظاهرة سلبية قد تتكون لديهن حالة مرضية بسبب العنوسة.‏
^ الزواج المبكر عند الغربيين:
        في القانون الروماني جُعلت سن زواج الرجل الرابعة عشرة، والمرأة الثانية عشرة، وفي تشريعات اليهود جُعلت سن زواج الرجل الثالثة عشرة والمرأة الثانية عشرة، أما وثائق المسيحيين فهي تثبت أن السيدة مريم عليها السلام حملت بعيسى وهي بنت ثلاثة عشر عاماً.
وفي عصرنا الراهن حددت الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا أن من شروط صحة الزواج أن يبلغ الزوج من العمر 14 سنة، والزوجة 12 سنة.
(فإذا كانت البنت في إسبانيا تعد صالحة للزواج في سن 12 سنة، فما بالكم بالبنت في الجزيرة العربية أوفي جنوب أفريقيا؟)
وفي الأرجنتين يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14، والزوجة 12.
وفي ولاية فلوريدا وولاية أيداهو يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14، والزوجة 12. وفي ولاية ألاباما الأمريكية يجب أن يكون الزوج قد بلغ 17 سنة والزوجة 14.
وفي ولاية كلورادو الأمريكية يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21 والزوجة 12.
وفي يوغسلافيا (في الصرب ) يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 15، والزوجة 13.
وفي إيطاليا يجب أن يكون الزوج قد بلغ 16 سنة، والزوجة 14.
وفي اليونان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18 سنة، والزوجة 14.
وفي بلجيكا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18، والزوجة 15.
وفي اليابان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 17 سنة، والزوجة 15 سنة.
وفي النمسا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21سنة، والزوجة 16 سنة.
وفي الدنمارك يجب أن يبلغ الرجل من العمر 20 سنة، والزوجة 16 سنة على الأقل.
وفي المجر وهولندا يشترط أن يبلغ الرجل من العمر 18 سنة، والزوجة 16 سنة.
وحدهما السويد وسويسرا يجب أن يبلغ الرجل من العمر 21، والزوجة 18 سنة على الأقل.
نقلا ًعن "الزواج والطلاق في جميع الأديان"( ص 383 ، 418).
        وجاء في "الموسوعة العربية العالمية": (ليست عادة الزواج المبكر وقفًا على القبائل في الشرق فحسب، بل إن كثيرًا من قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين يتزوجون في عمر مبكر، فتتزوج الفتيات في عمر بين 11 و15 عامًا، أما الفتيان فيتزوجون فيما بين 15 و20 من العمر. ويقوم الوالدان باختيار زوجة ابنهما في قبائل الهنود الجنوبية، أما في أمريكا الشمالية فيسمح للابن باختيار زوجته.
^ الزواج المبكر بين التأييد والمعارضة:
        إن حاجة الشاب إلى الزواج حاجة ملحة، وإشباع الغريزة الجنسية، مثل إشباع دافع الجوع والعطش. والزواج المبكر خير علاج لمشكلات المراهقين الجنسية إذا استطاعوا الباءة. وخير معين على استجابتهم لمتطلبات التربية الجادة، والبعد عن نزغات الشياطين هو الزواج.
فالزواج فيه سكن نفسي، وإشباع غريزي، وإحساس بالنوع، وشعور بالتكامل والنضج.  فالشاب المراهق يكون عادة مشغول التفكير، مضطرب المشاعر حول موضوع الزواج. والسكن والمودة والرحمة من مواصفات الزواج الناجح، كما قال تعالى:[]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[] سورة الروم (21).
        وقد دلت الدراسات النفسية على نزوع المتزوجين إلى الاستقرار، ومن ثم الاتجاه إلى النشاطات الثقافية، بينما دلت على نزوع غير المتزوجين إلى المسالك الانفعالية والعاطفية، وإلى الجنوح والانحراف أحياناً.
        ولذلك نجد أن الإسلام لا يعارض من حيث المبدأ الزواجَ المبكر، فقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". رواه البخاري ومسلم.
        فالزواج يعين على الاستقامة، ويكسر حدة الشهوة عند هؤلاء المراهقين الذين يفيضون حيوية ونشاطاً، كما أنه يساعد على الاستقرار النفسي، والاتزان العاطفي، والإعفاف في الإطار المشروع.
        وإن لم يحصل هذا الزواج، فقد وجه الإسلام إلى إعلاء الغريزة وتوجيهها إلى ميدان مرغوب فيه وهو الصوم، فبه ينضبط السلوك بإذن الله تعالى.
^ اعتراف الغربيين بأهمية الزواج المبكر:
        يعترف كثير من الباحثين أن كل ما يقدمونه من حلول لمشكلة انتشار ما يسمى بالجنس في الغرب إنما هي مجرد مسكنات مؤقتة، وأن الحل النافع الحاسم هو الزواج المبكر.
        أ- الاختصاصي "سيرل بيبي":
        إذ يقول في كتابه "التربية الجنسية" (ص35):
"لا يكفي مجرد النصح لحماية الشباب من فورته وإلحاح الجنس عليه، بل لابد من تنفيذ إصلاحات اجتماعية واسعة المدى، وأول هذه الإصلاحات إزالة الحواجز المتعددة للزواج المبكر؛ كعدم كفاية الأجور، وأزمة السكن، والتعنت من جانب الوالدين وأصحاب العمل إلى غير ذلك".
        ب- الطبيب الأمريكي "أليكسيس كاريل":
        يقول في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" (ص215): وهو في كتابه هذا ينتقد الحضارة المادية الغربية:
"وكلما قصرت المسافة الزمنية التي تفصل بين جيلين كلما كان تأثير الكبار الأدبي على الصغار أكثر قوة، ومن ثم يجب أن تكون النساء أمهات في سن صغيرة، حتى لا تفصلهن عن أطفالهن ثغرة كبيرة لا يمكن سدها، حتى بالحب".
        جـ- د. "فريدريك كهن":
        يقول في كتابه "حياتنا الجنسية":
"كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً وكان ذلك حلاً صحيحاً للمشكلة الجنسية أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر..... فالحكومات التي ستنجح في نص قوانين تسهل بها الزواج الباكر ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير؛ لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا".
^ حكمه في الشريعة الإسلامية:
        يرى الفقهاء و المفسرون و المحدثون أن الزواج المبكر  جائز شرعاً ، و استدلوا على ذلك بأدلة منها :
أ- الأدلة القرآنية:
        1- قال الله تعالى:[]وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[] سورة الطلاق (4).
ففي هذه الآية جعل الله سبحانه وتعالى عدّة الفتاة الصغيرة ثلاثة أشهر بعد دخول زوجها بها، فدل على جواز العقد بها وهي صغيرة بل ودخول زوجها بها، وذلك لأن هناك فرقاً بين البلوغ وكون الفتاة مهيَّأة للجماع، فإن الفتاة تخرج عن طور الطفولة فتكون جاهزة للجماع قبل الحيض بما يقارب السنتين، فتكون مهيأة للجماع ولو لم تحضْ، والحيض يأتي بعد نضوجها، فالميزان إذاً هو اكتمال بنيتها لا حيضها وبلوغها.
وذِكر الأشهر هنا في العدة دليل على أنها لم تحض بعد؛ لأن ذات الحيض تعتد بالأقراء (ثلاثة قروء).
وقال الجصاص في كتابه "أحكام القرآن": "فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة".
وقال ابن قدامة في "المغني": "وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى:[]وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ...[]. فجعل اللائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق".
        2- ويقول الله تعالى:[]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ[] سورة النساء (3).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير: "يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ". رواه البخاري ((رقم/4574)) متفق عليه.
فقولها رضي الله عنها: - فيريد وليُّها أن يتزوجها - فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا، يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، لأن اليتم إنما يكون قبل البلوغ، فلا يتم بعد البلوغ.
        3- ويقول الله تعالى:[]وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ...[] سورة النساء (127).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله، فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك". متفق عليه.
ب- الأدلة من الأحاديث:
        1- من أدلة الزواج المبكر قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب! من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء". متفق عليه.
والحديث يخاطب الشباب عموما رجالاً ونساءً، والشباب هو من بلغ الحلم إلى أن يصل إلى سن الثلاثين على قول، وقيل: إلى الأربعين.
قال النووي في "شرح صحيح مسلم": "والشباب جمع شاب، ويُجمَع على شبان وشَبَبة، والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة".
وإلى ذلك ذهب  السيوطي في "الديباج" على صحيح مسلم بن الحجاج.
        2- حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى (أي: ودخل بي) وأنا بنت تسع سنين". متفق عليه.
^ أوان الزواج المبكر:
هناك خلاف في تحديد أوان الزواج عند الناس:
1- يرى مُنكِرو الزواج المبكر أن سن الزواج عندهم هو 18 ثماني عشرة سنة - أو نحو هذا السن على اختلاف فيما بينهم - فإذا تزوجت الفتاة قبل هذا السن فقد تزوجت مبكراً.
2- ويرى المؤيدون أن أوان الزواج هو كون الفتاة جاهزة بدنياً ونفسياً للزواج، فإذا كانت جاهزة لذلك ورأى الزوج والأهل أنها صالحة للزواج - ولو قبل السن المذكور - جاز الزواج بها.
        والحق أن تحديد سن الزواج بهذا السن المذكور في القول الأول 18 عاماً تحكُّم لا دليل عليه، والقول بأن من تزوج قبل ذلك السن فقد بكّر في الزواج دعوى لا دليل عليها، لأنه لا يرجع إلى قاعدة شرعية، والميزان الشرعي هو ما إذا كانت الفتاة تطيق الجماع، وإنما يعد الزواج مبكراً إذا كانت الفتاة لا تطيق الجماع، حتى زواج السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ليس مقياساً عاماً لكل فتاة، وإنما المقياس تحملها وقوتها، فالفتاة التي تطيق الجماع تزوج وإن كانت صغيرة، ولا تزوج إن كانت لا تطيقه لضعف أو مرض وإن كانت ذات ثماني عشرة سنة، فهو يختلف من امرأة إلى أخرى.
        قال النووي في "شرح مسلم" (9/ 206): "وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا (الزوج والولي)  فقال أحمد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها". أ.هـ.
        وهذا هو الصحيح لأن الفتيات يختلفن من فتاة إلى أخرى، فرب فتاة لا تكون صالحة للزواج المبكر لمرض في بدنها، أو لضعف في بنيتها، أو لضعف في عقلها، أو لقلة معرفتها بتدبير شئون المنزل ونحو ذلك، فمثل هذه الفتاة المشار إليها ربما ينتهي زواجها إلى الفشل مع ما فيه من إضرار بها أو بالزوج، وهو ما أشار إليه النووي في "شرح صحيح مسلم" .
^ إجماع العلماء على مشروعية زواج الفتاة قبل البلوغ:
        انعقد الإجماع على جواز تزويج الصغيرة بشرط أن الذي يتولى تزويجها أبوها، وزاد الشافعي وآخرون الجد من جهة الأب أيضاً.
1- قال ابن المنذر: "أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم أن إنكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إن زوّجها من كفءٍ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها" أ.هـ
2- قال ابن قدامة في "المغني": "أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها" أ.هـ
3- نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن البغوي أنه قال:جمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهنَّ إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال".
4- قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد، لكن لا يمكّن منها حتى تصلح للوطء".
^ منافع دينية واجتماعية ونفسية للزواج المبكر:
أولاً: أنه يقلل من الوقوع في الرذيلة والانحراف، من جهة الفتاة، ومن جهة الشاب، فنسبة الزنى واللواط في الأرياف أقل من نسبة الزنى واللواط في المدن. فالزواج المبكر يحفظ المجتمع من الانحراف الأخلاقي، والزواج المبكر حصنٌ من الزنــا المبكر!!
ثانياً: يتحقق فيه تقارب في السن بين الآباء والأبناء بحيث يكون الفارق في السن بينهما قليلاً، فيستطيع الآباء رعاية أبنائهم والسهر على راحتهم وهم أقوياء، كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم.
يقول الدكتور ألكسيس كاريل في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" (ص215): وهو في كتابه هذا ينتقد الحضارة المادية الغربية: "وكلما قصرت المسافة الزمنية التي تفصل بين جيلين كلما كان تأثير الكبار الأدبي على الصغار أكثر قوة، ومن ثم يجب أن تكون النساء أمهات في سن صغيرة، حتى لا تفصلهن عن أطفالهن ثغرة كبيرة لا يمكن سدّها، حتى بالحب".
ثالثاً: فترة العجز عن الزواج يعيش فيها الشاب مع الوساوس، وينظر إلى إشباع الغرائز على أنها أهم مقاصده وأهدافه، ولاسيما مع الخروج مع رفقة السوء وتردي أوضاع الشباب، مما يضرّه في دينه وتبقى عنده رواسب هذه الفترة ولو تزوج بعدها، وبعضهم لم يستطع التغلب على مثل هذه الرواسب، والزواج المبكر يقطع عليه مثل هذه الفترة الخطيرة، ويصرف اهتماماته إلى أمور أهم في حقه، ولذلك تجد الشاب الصغير من أهل الأرياف يأتي المدينة يعمل ويتعب ويكدح ليرسل المال إلى زوجته وأولاده ووالديه في الريف، وتجد من هو أكبر سناً من شباب المدينة يقضي الساعات الطويلة أمام الإنترنت، وتجده له علاقات مع فتيات، في الوقت الذي هو عالة على والديه.
رابعاً: إمكانية الحَمل، لأن الحمل خلال فترة الزواج عند الفتيات في سن مبكر، تفوق الفتيات في الأعمار الأخرى.
خامساً: التكاثر في أفراد الأمة، فالأمة التي يتزوج شبابها مبكراً يكثر عدد أفرادها بما لا يكثر عدد أفراد غيرها من الأمم.
سادساً: تخفيف الحِمل على الأب الفقير، وقضاء وطر الزوج بالطريقة المشروعة.
سابعاً: سد أبواب من الحاجة على بعض الأسر؛ مثل حاجة بعض البيوت لفتاة تقوم بخدمة البيت والعناية به بعد.
ثامناً: تحمّل الزوجين للمسؤولية وعدم الاعتماد على الآخرين.


^ الخاتمة:
        إن القول بمشروعية الزواج المبكر في الأصل ليس معناه جوازه على الإطلاق مع كل الفتيات وفي مختلف الأحوال، فقد يكون لبعض الفتيات بعض الأحوال التي تدل على أن تركه أفضل في حقها، وفيما يلي التوصيات و النتائج التي نخلص إليها:
^ التوصيات والنتائج:
أولاً: أن تكون الفتاة مهيأة بدنياً، فرب فتاة تكون في سن الخامسة عشر أو أكثر من ذلك ومع هذا لا تكون مهيأة للزواج لضعف في بدنها، أو مرض تعاني منه يجعلها ضعيفة لا تقدر على القيام بأعباء الزوجية.
ثانياً: أن تكون ناضجة في نفسها، قد تربت على تحمل المسؤولية، وليس معنى هذا أن تكون مُلمّة بجميع أمور الحياة الزوجية من العشرة والحضانة ونحوها، فهذا تفتقر إليه كثير من الفتيات حتى الكبيرات منهن ولاسيما في أزماننا، ولو منعنا الزواج لهذه العلة لمنعنا الزواج مطلقاً، ولكننا نعني أنها فتاة تعرف معنى المسئولية، ثم لا يضرها ما فيها من تقصير فإن أغلب الفتيات يكملن النقص بعد الزواج، مستفيدات من أمهاتهن أو أمهات أزواجهن أو غيرهن من النساء.
ثالثاً: الأفضل عند زواج الصغيرة أن يراعى في الرجل كونه قريباً منها في السن ، فقد أخرج النسائي في "سننه" وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك"، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، عن بريدة قال: "خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي رضي الله عنه فزوجها منه"، وهذا إسناد صحيح، وبوَّب النسائي على الحديث بقوله: (تزويج المرأة مثلها في السن).
        فيؤخذ من الحديث أن يراعى في الرجل أن يكون قريباً من الفتاة في السن لكونها أقرب إلى الائتلاف بين الزوجين، وأدعى لاستمرار الزواج ، وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها فقد دلت الأحاديث على أن زواجها كان عن طريق الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق، فهو أمر أراده الله لها وله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُريتك في المنام ثلاث ليال: جاءني بك الملك في سرقة من حرير- أي قطعة من حرير- فيقول: هذه امرأتك، فأكشفُ عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه". وهذا لفظ مسلم، وقد حصل في هذا الزواج المبارك خير عظيم، ومع هذا فلا ندعي الخصوصية فليس معنا دليل على ذلك ولا يقدر أحد على منعه ما دامت المصالح متحققة.

المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط