تكتسب ثقافة الحوار أهمية خاصة في
عصرنا الحالي, والتي تهدف إلى إيجاد أرضية صلبة لبناء جيل الشباب أو
الطلبة الذي يحتاج وباستمرار إلى ثقافة الحوار, الحوار الحر المسؤول الذي
يسمح بإبداء الرأي بحرية دون إلغاء للآخر وكأنه يتحمل مسؤولية كل ما يجري حوله سواء في مجتمعه أو بيته أو في أروقة المدرسة
كيف ينظر الشباب
إلى الحوار? وبأي نوع من الحوار ينادون?! هذا ما حاولنا استطلاعه من خلال
اللقاءات التالية:
- أهم عوامل النهوض بالشباب هو العمل على فتح نوافذ الحوار
ونشر ثقافته, والتي تتطلب من الشباب أن يتخلوا عن المراهنة والخوف وإعلان آرائهم وتربيتهم
على الجرأة واستيعاب الآخر واحترام رأيه وحقوقه وتفعيل البحث عن
الموضوعية بعيداً عن الأنانية عن طريق تقييم الحوار والاعتراف بوجود الآخر المختلف
واحترام حقه في الدفاع عن رأيه وموقفه, وفهم الآخر والتفاهم معه لا
يتحققان دون أن تتسع ذواتنا وأنفسنا له.
- الحقيقة ليست في الأنا وإنما بالتكامل مع الآخر,
لأن الحوار مع الآخر هو الذي يكشف ذاتنا وحقيقتنا ولذلك على الشاب الذي يعتد
بذاته ونفسه أن يعترف بزميله ويسمع رأيه حتى نحقق قدراً بسيطاً من ثقافة
الحوار التي لا تتم من طرف واحد ولا تنطلق من ثقافة سطحية وقشور غير ناضجة,
وإنما تحتاج إلى ندوات وقراءات ومحاضرات ثقافية تعقد للشباب بين حين وآخر
كي يتعودوا على حوار علمي مبني على معلومات صحيحة وسليمة وهذا يتطلب
استغلال أوقات فراغ الشباب في القراءة والمطالعة بجد وتعب ومعرفة وعلم.
-يأتي الطالب الجامعي فقط من اجل التحصيل العلمي ويفتقد داخل
القاعة لأي حوار بينه وبين الأستاذ أو بينه وبين باقي زملائه في الدراسة, وحتى أن وجد في
بعض الكليات والفروع العلمية التي تتطلب دراسات عملية أو مشاريع تخرج
مشتركة فإن هذا النوع من الحوار يقتصر على التحصيل العلمي أو المعلوماتي
تحديداً, كما تفتقد الجامعة للندوات والمحاضرات الحوارية التي يمكن أن تنمي
مستوى الطالب الاجتماعي والثقافي.
مظهر من
مظاهر تدني مستوى الحوار نراه وبشدة في ر وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية
التي تفسح مجالاً
للدردشة أو ارسال رسائل ال¯ SMS فنرى عبارات وجملاً سطحية وأحياناً مبتذلة تنم عن انحطاط المستوى الاجتماعي وبالتالي
الثقافي الذي وصل إليه بعض شبابنا وشاباتنا, وليست هذه الظاهرة سوى فرصة لمضيعة
الوقت أو ملء أوقات الفراغ وقد تكون تقليداً للثقافة الغربية التي لم يستفد
منها شبابنا إلا في القشور فقط.
نوع آخر من أنواع
الحوار يفتقده مجتمعنا هو الحوار بين الشاب والفتاة الذي غالباً ما يؤطر بإطار العلاقة
العاطفية التي ينظر لها مجتمعنا بكثير من الحذر والريبة, ولهذا السبب يفتقد
معظم شبابنا وشاباتنا الحوار الذي يمكن أن يكون غنياً بصنوف مختلفة من
القضايا الفكرية والمعرفية التي تأتي من الخلفية الثقافية لكلا الجنسين.
-: بعض
الشباب وبشكل شخصي وبجهود فردية يحاولون التعمق في قضايا المجتمع ومتابعة ما يجري حولهم من
أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية فيشكلون ولو بشكل مبسط نوادي اجتماعية, وهنا أود
الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن نقول عنه سلبي لبعض النوادي الاجتماعية
التابعة للمؤسسات التربوية
والتعليمية إذ لا يتوافر الهدف من هذا النادي إلا من خلال قاعة مخصصة كتب عليها /نادي اجتماعي/ دون
تنظيم أي نوع من أنواع النشاط الذي يهدف إلى الحوار أو أي شكل من أشكال التواصل بين
الشباب.
-ثقافة الحوار تتطلب من الطرف الآخر الذي يحاور
الشباب ألا يكون واعظاً على منبر بمقدار ما يكون صديقاً سميراً صادقاً في
طروحاته وأفكاره بحيث يستطيع تقريب المسافات وردم الهوة مع هذا الجيل
لاستيعابه وتثقيفه وتعليمه أسلوب الحوار الحضاري الراقي القائم على احترام الرأي
الآخر وتقديره.
أخيراً:
ما يطلبه الشباب هو
مطلب واحد يتكرر في كل زمان ومكان وهو الحوار .. هذا ما يحتاج إليه شبابنا أكثر من أي شيء آخر الحوار
والمشاركة في اتخاذ القرار .. يحتاج إلى عقول مفتوحة وصدور واسعة تتحمل رأيه حتى
لو كان قاسياً إنها ثقافة
حق الاختلاف في الآراء, وإلا كيف سنبني جيلاً واعياً قادراً على تحمل المسؤولية .. يحتاج إلى ثقافة
شمولية ليس في الندوات وورشات العمل المتخصصة التي تعالج قضاياه وحسب, وإنما يحتاج
إلى ثقافة حوارية
داخل غرف المحاضرة مع أساتذته وزملائه, يحتاج إلى فكر أبوي وأسري
يشعره بقيمته ووجوده.
العوائق والتحديات النفسية والاجتماعية
للعوامل النفسية
والاجتماعية، بالمعنى الواسع للاجتماعي و الذي يشمل السياسي و الاقتصادي، أثرها
على السلوك البشري بما فيه سلوكه الحواري. و مصدر العوائق و التحديات النفسية
للحوار هو المشاعر غير المشجعة على الحوار، وعلى سبيل المثال فان الخوف
النفسي( كخوف المولود من والده) قد يحد من الحوار، و الخجل - كما في الامور
الجنسية مثلا- قد يحد من الحوار حتى بين الازواج، و الكبرياء التي توهم لكثيرين ان
الحوار ضعف قد يحد من الحوار، و الطمع في الانفراد بشيء، كالسلطة، يحد من الدخول
في حوار جاد مع من يرغب او يحق له المشاركة فيه. و لعل من اهم ما يحد من
الاقبال على الحوار لمعالجة الخلافات و النزاعات:
تكلفة الحل الحواري:
صحيح ان
محاولة معالجة الخلافات و النزاعات عن طريق القوة المادية او الطرق غير الحوارية
ايضا لها تكلفة غالبا ما تكون اعلى من تكلفة الحل عن طريق الحوار و الاساليب
الودية. بيد انه بينما محاولة المعالجة عن طريق الصدام والقوة المادية عادة
ما تنطوي على اغراء احتمال تحقيق الغلبة على الاخر دون تقديم أي تنازلات تتعلق
بموضوع الخلاف او النزاع فان المعهود هو ان الحل الحواري لا يتحقق الا بتسوية
غالبا ما تستلزم تقديم تنازلات من الطرفين. و لان النفس الانسانية جبلت على الطمع
و رفض التنازل عن حقوقها او ما تعتقد انها حقوقها الا اضطرارا فان هكذا تنازل من
شأنه ان يحدث شعورا نفسيا بالخسارة و ربما ايضا بالهوان و المذلة يصعب على النفس
تحمله. و تزداد هذه الصعوبة النفسية مع عوامل منها تشديد الثقافة المعنية على قيم
من مثل الشرف و كرامة النفس و تقدير الذات وعزة النفس وعلوها. ومع ما هو معلوم من
ان الثقافة العربية الاسلامية من الثقافات الاكثر تشديدا على قيم عزة النفس
وعلوها فان من الطبيعي ان يواجه العرب / المسلمون صعوبة نفسية في تحمل
تكلفة الحلول الحوارية التي تنطوي على تسوية تستلزم تنازلات و هو الامر الذي
يدفع البعض الى تجنب الحوارمع الاخر في الحقوق المتنازع عليها تجنبا للتنازلات
المحتملة . ولعل مما له صلة بصعوبة تحمل التنازلات التي تستلزمها الحلول
الحوارية في التاريخ العربي الاسلامي ان الحالة الوحيدة التي يروى ان
الصحابة عليهم رضوان الله ابدوا فيها ترددا جماعيا في المبادرة الى قبول
او تنفيذ اوامر الرسول (ص) لم تكن متعلقة بالصراع مع الاخر و قتاله- رغم كره
القتال الى النفس و تكلفته العالية- و انما بحوار الاخر و التصالح
معه– في الحديبية- على تسوية رأى بعض الصحابة عليهم رضوان ان
فيها تنازلات مذلة
القيود على الحوار:
يصبح الحوار اقل
جذبا حيث يتعرض لقيود تحد من ممارسة بعض اساليبه او تحد من سلطات مؤسساته او تحد
من مجالاته. و لعل هذه القيود اظهر ما تكون في الحوار السياسي و لكنها لا تقتصر
عليه بل تشمل مختلف انواع الحوار بما فيها الحوار الديني و الحوار الاجتماعي. و
هذه القيود غالبا ما تُختلق من الفئة او الجهة الاكثر نفوذا او سلطة في المجال
المعني مثل الحكومة و مراكز القوة في التنظيم السياسي في مجال الحوار السياسي، و
الغلاة من الفقهاء و المتشددون في مجال الحوار الديني، و اصحاب النفوذ
الاجتماعي، كالوجهاء او ارباب الاسر، في مجال الحوار الاجتماعي.
و من الواضح ان
القيود على الحوار تعاني منها، وان بدرجات و صور مختلفة، مختلف المجتمعات البشرية،
كما تعاني منها الساحة / السياسة الدولية حيث نجد- مثلا- منظمات دولية تقوم
على مبدأ اللا- مساواة بين اعضائها، كما في تمتع بعض الدول، دون البعض
الاخر، بالعضوية الدائمة و بسلطة النقض في مجلس الامن الدولي، و هو الامر الذي،
مشفوعا بسوء ممارسة سلطة النقض، قلل من ثقة كثير من الدول في المجلس و في حواراته
و، بالتالي، اعاق فعالية الحوار الدولي من خلاله.
و معلوم ما يواجهه الحوار
السياسي في المجتمع العربي الاسلامي من قيود عديدة منها القيود التي تفرضها بعض
الحكومات لاجهاض او منع بعض اساليب الحوار السلمي و التعبير عن الرأي مثل العمل
الحزبي و التظاهرات السلمية و العصيان المدني او للحد من فاعلية مؤسسات
الحوار العامة كالبرلمانات؛ و القيود الحزبية مثل تعسف بعض القيادات الحزبية
في مناهضة الاراء المعارضة داخل الحزب. و بالاضافة الى حالات القيود التشريعية او
التنظيمية او المالية التي تحد من مشاركة بعض الفئات و خاصة الأقليات هناك القيود
الاجتماعية، احيانا باسم الدين، التي تحد من مشاركة البعض و خاصة
المرأة في الحوار السياسي.
و من القيود
الشائعة على الحوار اشتراط البعض على الآخر شروطا مسبقة، اتيانا لسلوك ما او
امتناعا عنه، لمجرد بدء الحوار معه. و مع ان اشتراط شروط مسبقة لبدء الحوار
يمكن ان يكون مكلفا حتى في النزاعات الاجتماعية، سواء الفردية كما في بعض
حالات نزاعات الازواج او الجماعية كما في بعض حالات النزاعات القبلية، الا ان أسوأ
و أوسع ما تكون الآثار السلبية للاشتراطات المسبقة عندما تكون في النزاعات
السياسية سواء داخل الدول او بينها.
و عندما تحيل
القيود، ايا كانت، الحوار الى سلوك او إجراء غير ممكن اصلا او ممكن و
لكنه غير مرغوب او محفوف بالمخاطر او محدود/عديم الجدوى، يكتسب عزوف العرب و
المسلمين عن اسلوب الحوار في تفاعلاتهم المزيد من المبررات. و مع تواصل عزوفهم عن
الحوار يخسر العرب و المسلمون الفرصة للتعرف على الحوار و التدرب عليه و اكتشاف
فعاليته و تنمية القدرة على حسن ادارته كاسلوب للتفاعل بينما يضطرون الى
اللجوء الى اسلوب الصراع ، اقتتالا او تآمرا، للوصول الى اهدافهم. و لافتقارهم
الخبرة في ادارة الحوار فانهم حتى اذا ما اتيحت لهم الفرصة للحوار مع الاخر
غالبا ما يكونون الطرف الاقل كسبا او الطرف الخاسر بسبب ضعف إدارتهم للحوار و هو
ما يزيد سببا اخر قويا الى اسباب عزوفهم عن الحوار و نفورهم منه تخوفا من نتائجه.